وكل عبادة لَا يقصد بها وجه الله لَا يثاب عليها صاحبها، بل إنها جديرة بالعقاب لَا بالثواب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قرر بأن ذلك شرك؛ وهو الذي يقول عنه العلماء إنه الشرك الخفي، ولقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك "(١) وقد سماه العلماء شركا خفيا لأن صاحبه يخفيه ولا يبديه، ولأنه دقيق لَا يدركه إلا ذوو النفوس الطاهرة، والقلوب البارة التي تحاسب نفسها؛ ولأنه بلا ريب دون عبادة الأوثان، وإن كان من بابها؛ وقد وجدنا في عصرنا ناسًا يجاهرون بأنهم يتصدقون بالصدقة العظيمة يبتغون بها الجاه، أو ملق أصحاب الجاه، فبأي اسم يسمى عملهم؛ أيسمى شركا خفيا، أم يسمى شركا جليا؟ وهو على أي حال مروق من الدين، إذ قد اطرح فيه جانب رب العالمين.
وما المراد بالأمر بإتمام الحج والعمرة: أيراد بالأمر إقامتهما، وإيجادهما، أم يراد بالأمر إتمامهما لَا أصل إقامتهما بأن يراد الإتيان بهما تامين؟ فيكون الأمر منصبا على الإتمام، لَا على أصل الأداء؛ ويكون المعنى على الأولى: أقيموا الحج والعمرة أي أدوهما، كقوله تعالى:(ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ. . .)، فليس الاتجاه إلى الإتمام بل إلى الإنشاء؛ والمعنى على الثاني ائتوا بهما تامين، أي كاملي الأركان قد استوفيت شروط كل منهما، خالصين لوجه الله سبحانه وتعالى لا تشوبهما شائبة من رياء.
هناك اتجاهان في هذا المقام؛ فبعض الفقهاء ومعهم بعض المفسرين، وسبقهم بعض التابعين والصحابة على أن المراد بالأمر الإنشاء والإتيان والإقامة، فمعنى أتموا الحج والعمرة ائتوا بهما؛ وعلى هذا المنهج علقمة والنخعي وسعيد بن جبير وعطاء، وطاوس، وروي عن ابن عمر وابن عباس وعلى رضي الله عنهم؛ ولهذا قرروا أن العمرة واجبة كالحج، وهذا ما قرره الشافعي على أحد قوليه وسفيان الثوري.
(١) رواه أحمد: مسند الشاميين: حديث شداد بن أوس (١٦٥١٧).