فهو يستعمل للحبس بالعدو وبالمرض ونحوه، وأما الحصر فيستعمل في المنع من ذات الشخص بالمرض ونحوه فقط.
ولقد قال أبو العباس المبرد والزجاج: إن كليهما يكون للحبس بعمل العدو، وبالمرض ونحوه؛ ولكنهما مع ذلك مختلفان في المعنى؛ فالحصر معناه الحبس، والإحصار معناه التعرض للحبس والضيق، بالعدو أو المرض؛ كما يقال حبسه بمعنى أدخله في المحبس، وأحبسه بمعنى عرضه للحبس، وقتله بمعنى أوقع به القتل، وأقتله بمعنى عرضه للقتل، وقبره بمعنى دفنه، وأقبره بمعنى عرضه للدفن. وعندي أن هذا هو الفرق الدقيق الذي يكون بين الحصر والإحصار، فالفرق بينهما في معنى الاستعمال الدقيق؛ لَا في موضع الاستعمال.
وقد فصلنا القول ذلك التفصيل في هذا اللفظ، وانتهينا إلى ما انتهينا إليه؛ لأن الفقهاء اختلفوا في الحكم، وبنوا اختلافهم على اختلاف اللغويين في معنى اللفظ؛ فالحنفية قرروا أن الإحصار بالمرض أو بالعدو يسيغ التحلل بذبح الهدي، على أن يقضي الحج والعمرة من بعد إن كان الإحرام بعمرة؛ والمالكية والشافعية قرروا أن الإحصار في الآية لَا يكون إلا من العدو؛ أما المريض فإنه يستمر على إحرامه حتى يبرأ من مرضه، ويذهب إلى البيت فيطوف به سبعًا، ويسعى بين الصفا والمروة، وبهذا يتحلل من عمرته أو حجه؛ وقريب من ذلك قال المالكية؛ فإنهم يرون أيضا أن المريض لَا يتحلل بالذبح، بل ينتظر حتى يبرأ من المرض، فإن برئ وكان في استطاعته أداء الحج بأن يدرك وقفة عرفات أتم الحج، وإن لم يدرك كان مخيرًا بين أن يستمر على إحرامه حتى يؤدي من قابل، وبين أن يذهب ويتحلل بالطواف والسعي بين الصفا والمروة؛ وقد أخذوا ذلك الحكم من الآية الكريمة، إذ فهموا أن الإحصار لَا يكون إلا للعدو؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما منع هو وأصحابه من أداء الحج تحللوا بالذبح (١) وأما المرض فلم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه بذاته أباح التحلل
(١) قَالَ ابْنُ عَباس - رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا: قَدْ أحْصِرَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فحَلَقَ رَأْسَهُ وَجَامَعَ نِسَاءَهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ حَتَّى اعتمَرَ عَامًا قَابِلا. [رواه البخاري: الحج - إذا أحصر المعتمَر (١٦٨١)].