للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والخصام - إما أن يقال إنه مصدر خاصم أي جادل أو عادى؛ أو تقول جمع خصم كضخم وضخام؛ وقال أبو عبيدة الأول أي أنه مصدر خاصم، وقال الزجاج الثاني.

والمعنى على الأمرين: أن ذلك النوع من الناس الذي يحاول أن يخدع الناس بحلو لسانه، ويضلهم بقدرة بيانه، فيه طبع ملازم له، وهو شدة الخصومة، ويصح أن نفسر الخصومة بالعداوة، كما يصح أن نفسرها بالجدل والمغالبة البيانية في ميدان المناظرات.

وعلى الأول يكون المعنى إنه شديد العداوة واللجاجة في الخصومة، فليس هينا لينا قريب الرضا سهل الرجوع، بل إنه لحب نفسه وكراهيته لخير الناس، لا يصفح عمن ينال منه ولو بالحق فهو قد أكل الحقد قلبه، واعتركت في نفسه حسكة (١) الحسد؛ وكذلك كل شرير؛ لَا يحب الناس، ولا يظهر لهم المودة إلا برئاء القول: بل ذلك شأن المجرمين؛ ففي طبيعة كل مجرم بغض للمجتمع، وكأن بينه وبين الناس ثأرا لَا يطل، وترات (٢) يجب استيفاؤها؛ وكلما انحدر في جريمة وتلقفته يد العدالة ازداد للناس كرها وعاد إلى مثلها أو أكثر؛ وكذلك أولئك الذين في قلوبهم مرض، وفي ألسنتهم حلاوة يخدعون بها الناس: يبغضون الناس ولا يحبونهم إلا بمقدار ما ينالون من أرب فيهم، ولا يصفحون عمت ينالهم بالقصاص العادل، ويتبعون العورات؛ وهكذا هم في خصومات قلبية بينهم وبين الأخيار؛ يظهرون القول الحسن ليستمكنوا من الرقاب، ثم يشفوا غيظهم.

وعلى الثاني، وهو أن يكون الخصام بمعنى المجادلة والمنازلة البيانية، يكون المعنى: أن هؤلاء الذين يخادعون الناس بالقول الحلو، يثيرون الإعجاب بحسن بيانهم، ويوثقونه بالأيمان المغلظة، ويجادلون عنه بقوة وعنف وغلب؛ فالكلام


(١) الحسكة: نبت له ثمرة خشنة (السعدان)، أو عشب له شوك يؤذي، وحسكة الصدر: العداوة والحقد والضغينة، على التشبيه. لسان العرب.
(٢) ترَّات: جمع ترة، من تر العضو إذا بانَ وانقطع بضربة بالسيف ونحوه. لسان العرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>