للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لإنسانيته بتلك المنزلة الهون فيميت آدميته ويقتل خلقه، ويذهب بمروءته ورشده، ويكون ملهى الصبيان، يتلعب بكرامته الغلمان، أو على الأقل يعمل على أن يفسد تقديره ووزنه للأمور، لأنَّ معرفتها على حقيقتها تؤلمه! وهل يذهب بأسباب المحن غفلته عنها وابتعاده عن الإحساس بها!! كلا إنه يتردى بالخمر من محنة إلى محنة فغفلته عن المحنة، بالخمر تدفعه إلى ثانية ثم إلى ثالثة، وهكذا تتوالى عليه المحن بها، حتى يضيع نفسه، وأهله، وأولاده، وأصحابه ولا يبقى معه إلا إخوان الشر، ودعاة الفساد!

هذه إشارة إلى مضار الخمر المعنوية والاجتماعية، أما مضارها الجسمية، فيكاد العلم الحديث يثبت أنه لَا شيء يدخل الجسم أضر عليه من الخمر، فهي تأكل الكبد وتضخمه، وتفسد الكلية، وتضعف أنسجة الجسم وتنهك الأعضاء الداخلية العاملة، وتفقد الشهية للطعام، وتفسد المعدة وتحدث تصلبا في الشرايين وتمددا فيها، وأحيانا يموت السكير فجأة لهذا الداء، والخمر تضعف الحنجرة، وشعب التنفس، وتكثر السعال.

وقد أثبت التحليل الطبي أن الجسم لَا يستفيد منها أية فائدة، فإنها وإن كانت فيها مواد غذائية، يذهب السم الذي صاحبها بفائدتها فهي في جملتها عقاقير سامة، وما يحدث من نشاط في الجسم ونشوة عند شربها سببه أنها مواد غريبة على المزاج الجسمي، فعناصر الجسم تقاومها وتدافعها وبهذه المقاومة والمدافعة يتولد الإحساس بالنشاط، وإذا كانت الخمر في أحيان قليلة تقي من بعض الأمراض التي لَا خطر منها، فالضرر الناشئ عنها أشد من الأضرار الناشئة عما تدفعه!.

وقد يقول قائل: إنها تتخذ دواء أحيانا، ولذلك يتساهل بعضهم في ذلك، ولكن وجدنا طبيبا إنجليزيا يصرح في قوة قائلا: (أنا لَا أعلم مرضا قط شُفي من الخمر)! ويقول آخر أسكتلندى: (الخمر لَا تشفي شيئا) ويقول ثالث: (إن الخمر تدخل الجسم وتخرج منه ولا أثر لها إلا ما تحدثه من أضرار) (١). وهكذا تتوارد


(١) قال المصنف رحمه الله: هذه النقول من كتاب جواهر القرآن للمرحوم الشيخ طنطاوى جوهري.

<<  <  ج: ص:  >  >>