للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطلاق، ولكنه يستطيع ألا ينتفع بها من غير أن يسقطها، فإنها لتدارك ما فاته، إن جمحت به نفسه، فنطق بالطلاق ثم تبين خطؤه.

وإن تسمية المطلق زوجا أو بعلا فهم منه فقهاء الحنفية أن الطلاق الرجعي لا يزيل الحقوق الزوجية ما دامت العدة قائمة، والتربص فيها لازما؛ ولذلك لا يعتبرون الرجعة إعادة للزواج، أو في معنى إنشائه، بل يعتبرونها استدامة لأحكام الزواج واستمرارا له؛ لأنه لم يزل ما دامت العدة قائمة؛ ولذلك لَا يعتبرون الدخول بها حراما قبل النطق بالرجعة، ويعتبرون الدخول نفسه رجعة، وفهموا أن الرد في قوله تعالى: (أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) معناه الاستدامة والاستمرار على أحكام الزواج.

ولكن الشافعية فهموا أن الرجعة ليست استدامة لأحكام الزواج، ولكنها إعادة له؛ ولذا لم يسوغوا الدخول قبل النطق بالرجعة، والدخول لَا يعتبر رجعة لأنه قبل النطق بها حرام، والحرام لَا يكون سببا لنعمة الحلال.

والرجعة عمل من جانب الزوج وحده، وليس فيها مهر جديد، ولا تعتبر عقدا يحتاج إلى رضا المرأة، وقد اشترط بعض الشافعية والحنابلة الإشهاد عليها لقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ. . .)، وكان ذلك القول الكريم بعد بيان الطلاق والرجعة، والحنفية استحسنوا الشهادة في الرجعة القولية ولم يوجبوها.

وقد قيد الله سبحانه وتعالى جواز الرجعة بقوله تعالى: (إِنْ أَرَادوا إِصْلاحًا) أي أن الرجل لَا يسوغ له أن يفكر في الرجعة إلا إذا حاول إصلاح حاله، وتقويم معوج نفسه، وحملها على الاستقامة في المعاملة، والعمل على خير الأسرة، وإبعاد الغضب عن أن يكون حكما في الحياة الزوجية، كما يحاول أخذ زوجه بالرفق، والتقويم بالموعظة الحسنة، وتقريبها بالمودة الواصلة، مع الإرشاد الحكيم، والإعراض عن البهتان، وتجنيبها الزلات، وسياسة الأسرة على أسس قويمة من الرحمة ولطف العشرة، والحزم الصادق، من غير إرهاق، ومن غير إعنات، وتعجبني كلمة حكيمة قالها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقد قال: (يعجبني الرجل يكون في أهله كالصبي، فإذا التمسوا ما عنده وجدوه رجلا).

<<  <  ج: ص:  >  >>