للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَسِيرِ يَتَنَصَّرُ: إنَّهُ لَا يُقْسَمُ مَالُهُ الَّذِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِ الْمُرْتَدِّ لَا يُعْتَقْنَ عَلَيْهِ بِلِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ مَنْ لَا يُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ لَا تُعْتَقُ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ فَلَمَّا كَانَ الْأَسِيرُ إنْ تَنَصَّرَ لَمْ يُقْسَمْ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ إذَا ارْتَدَّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأَسِيرِ الَّذِي تَنَصَّرَ فَإِنْ رَجَعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَتَابَ ثُمَّ مَاتَ كَانَ مِيرَاثُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَعَتَقَ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرُهُ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى الِارْتِدَادِ كَانَ مَالُهُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا مُدَبَّرُوهُ فَإِنَّهُمْ يُعْتَقُونَ وَلَيْسَ هِيَ وَصِيَّةٌ اسْتَحْدَثَهَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ عَقَدَهُ فِي الصِّحَّةِ وَلَمْ يَكُنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْقُضَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَلِذَلِكَ جَازَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا كُلُّ وَصِيَّةٍ لَوْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهَا وَهُوَ مُسْلِمٌ رَدَّهَا فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ إذَا ارْتَدَّ وَكَذَلِكَ الْأَسِيرُ إذَا تَنَصَّرَ وَلَوْ جَازَ لَهُ مَا أَوْصَى بِهِ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهُ رَدَّهُ لَجَازَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ فِي ارْتِدَادِهِ وَصِيُّهُ فَهَذَا وَجْهُ مَا سَمِعْتُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمُرْتَدَّ إذَا ارْتَدَّ وَلَهُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ أَيَحْرُمْنَ عَلَيْهِ فِي حَالِ ارْتِدَادِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: فَهَلْ يُعْتَقْنَ عَلَيْهِ إذَا وَقَعَتْ الْحُرْمَةُ؟

قَالَ: لَا أَحْفَظُ قَوْلَ مَالِكٍ فِي الْعِتْقِ وَلَكِنِّي لَا أَرَى أَنْ يُعْتَقْنَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ الَّتِي وَقَعَتْ هَهُنَا مِنْ قَبْلِ ارْتِدَادِهِ لَيْسَتْ كَحُرْمَةِ النِّكَاحِ لِأَنَّ النِّكَاحَ عِصْمَةٌ تَنْقَطِعُ مِنْهُ بِارْتِدَادِهِ وَهَذِهِ عِصْمَةٌ لَيْسَ لَهَا مِنْ عِصْمَةٍ تَنْقَطِعُ وَهَذِهِ قَدْ تَحِلُّ لَهُ إنْ رَجَعَ عَنْ ارْتِدَادِهِ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَرَاهَا مَوْقُوفَةً إنْ أَسْلَمَ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ بِحَالِ مَا كَانَتْ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ.

[أُمّ وَلَدِ الذِّمِّيِّ تُسْلِمُ]

فِي أُمِّ وَلَدِ الذِّمِّيِّ تُسْلِمُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ أُمَّ وَلَدِ الذِّمِّيِّ إذَا أَسْلَمَتْ مَا عَلَيْهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: تُعْتَقُ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: تُوقَفُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يُسْلِمَ فَتَحِلُّ لَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنْ تُعْتَقَ.

قُلْتُ: وَلَا تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: لَا لِأَنَّ الذِّمِّيَّ إنَّمَا كَانَ لَهُ فِيهَا الِاسْتِمْتَاعُ بِوَطْئِهَا فَلَمَّا أَسْلَمَتْ حَرُمَ فَرْجُهَا عَلَيْهِ فَصَارَتْ حُرَّةً.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ ثُمَّ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ مَكَانَهُ بَعْدَ إسْلَامِهَا أَتَجْعَلُهَا أُمَّ وَلَدِهِ كَمَا كَانَتْ أَمْ تُعْتِقُهَا عَلَيْهِ؟

قَالَ: إنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهَا السُّلْطَانُ عَلَيْهِ بَعْدَمَا أَسْلَمَتْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، قَالَ: وَاَلَّذِي أَرَى فِي أُمِّ وَلَدِ الذِّمِّيِّ إذَا أَسْلَمَتْ إنْ عَقَلَ عَنْهَا وَلَمْ يَرْفَعْ أَمْرَهَا حَتَّى أَسْلَمَ سَيِّدُهَا النَّصْرَانِيُّ وَقَدْ طَالَ زَمَانُهَا أَنَّ سَيِّدَهَا أَوْلَى بِهَا إنْ أَسْلَمَ مَا لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ بِعِتْقِهَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>