قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَرَّتْ امْرَأَةٌ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ وَشَهِدَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ شُهُودٌ ثُمَّ أَنْكَرَتْ بَعْدُ فَتَزَوَّجَتْهُ وَالزَّوْجُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا كَانَتْ أَقَرَّتْ بِهِ؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُقَرَّ هَذَا النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا، وَمَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّ مَالِكًا سَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ امْرَأَةٍ كَانَتْ لَهَا بِنْتٌ وَكَانَ لَهَا ابْنُ عَمٍّ، فَطَلَبَ بِنْتَ عَمِّهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَقَالَتْ أُمُّهَا قَدْ أَرْضَعْتُهُ ثُمَّ إنَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا كُنْتُ إلَّا كَاذِبَةً وَمَا أَرْضَعْته وَلَكِنِّي أَرَدْتُ بِابْنَتِي الْفِرَارَ مِنْهُ؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهَا هَذَا الْآخَرُ وَلَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَلَيْسَ قَوْلُ الْمَرْأَةِ هَذَا أَخِي وَقَوْلُ الزَّوْجِ هَذِهِ أُخْتِي كَقَوْلِ الْأَجْنَبِيِّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيِّنَةِ الْقَاطِعَةِ، وَالْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ لَيْسَ يُقْطَعُ بِشَهَادَتِهَا شَيْءٌ. ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِامْرَأَةٍ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ هَذِهِ تَزْعُمُ أَنَّهَا أَرْضَعَتْنِي وَأَرْضَعَتْ امْرَأَتِي، فَأَمَّا إرْضَاعُهَا امْرَأَتِي فَمَعْلُومٌ، وَأَمَّا إرْضَاعُهَا إيَّايَ فَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ أَرْضَعْتِيهِ؟ فَقَالَتْ مَرَرْتُ وَهُوَ مَلْقًى يَبْكِي وَأُمُّهُ تُعَالِجُ خُبْزًا لَهَا فَأَخَذْته إلَيَّ فَأَرْضَعْته وَسَكَّتُّهُ، فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ فَضُرِبَتْ أَسْوَاطًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى امْرَأَتِهِ. ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلِيٍّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إذَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ مِثْلَ هَذَا سَأَلَهَا الْبَيِّنَةَ. ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ فِي الرَّضَاعَةِ أَتَرَاهَا جَائِزَةً فَقَالَ: لَا؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَةَ لَا تَكُونُ فِيمَا يُعْلَمُ إلَّا بِاجْتِمَاعِ رَأْيِ أَهْلِ الصَّبِيِّ وَالْمُرْضِعَةِ، إنَّمَا هِيَ حُرْمَةٌ مِنْ الْحُرَمِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا أَصْلٌ كَأَصْلِ الْمَحَارِمِ
[الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الصَّبِيَّةَ فَتُرْضِعُهَا امْرَأَةٌ لَهُ أُخْرَى أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ أُمُّهُ أَوْ أُخْتُهُ]
فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الصَّبِيَّةَ فَتُرْضِعُهَا امْرَأَةٌ لَهُ أُخْرَى أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ أُمُّهُ أَوْ أُخْتُهُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ صَبِيَّتَيْنِ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَتَقَعُ الْفُرْقَةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا جَمِيعًا أَمْ لَا؟
قَالَ: يُقَال لِلزَّوْجِ اخْتَرْ أَيَّتَهمَا شِئْت فَاحْبِسْهَا وَخَلِّ الْأُخْرَى وَهَذَا رَأْيِي.
قُلْتُ: لِمَ جَعَلْت لَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَيَّتَهمَا شَاءَ، وَقَدْ وَقَعَتْ الْحُرْمَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا، فَهَاتَانِ حِينَ أَرْضَعَتْهُمَا الْمَرْأَةُ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ كَانَتَا حِينَ أَرْضَعَتْ الْأُولَى مِنْ الصَّبِيَّتَيْنِ عَلَى النِّكَاحِ لَمْ يَفْسُدْ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ نِكَاحِهِمَا شَيْءٌ فَلَمَّا أَرْضَعَتْ الثَّانِيَةَ صَارَتْ أُخْتَهَا فَصَارَتَا كَأَنَّهُمَا نُكِحَتَا فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ فَارَقَ الْأُولَى بَعْدَ مَا أَرْضَعَتْهَا الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ تُرْضِعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute