للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ أَيْضًا.

قُلْتُ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُوضِحَةِ إذَا بَرِئَتْ عَلَى غَيْرِ عَثْلٍ وَبَيْنَ الْأَنْفِ إذَا خَرَمَهُ فَبَرِئَ عَلَى غَيْرِ عَثْلٍ؟

قَالَ: لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ قَدْ جَاءَتْ فِيهَا دِيَةٌ مُسَمَّاةٌ، أُثِرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا الْأَنْفُ حِينَ خَرَمَهُ فَلَيْسَ فِيهِ عَقْلٌ مُسَمًّى، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نَنْظُرُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ جُعِلَ ذَلِكَ عَلَى الْجَانِي، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْجَانِي شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يَجِبُ فِيهِ إذَا بَرِأَ عَلَى عَثْلٍ. فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الْمُوضِحَةِ وَالْأَنْفِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَنْفِ: إنَّهُ لَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ وَإِنَّمَا هُوَ عَظْمٌ نَاتِئٌ، فَلِذَلِكَ لَا يَكُونُ عَلَى مَنْ أَوْضَحَ الْأَنْفَ فَبَرِأَ عَلَى غَيْرِ عَثْلٍ مُوضِحَةٌ.

قُلْتُ: فَالْخَدُّ، أَفِيهِ مُوضِحَةٌ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: فَاللَّحْيُ الْأَسْفَلُ، أَهُوَ مِنْ الرَّأْسِ، وَمُوضِحَتُهُ كَمُوضِحَةِ الرَّأْسِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: لَا.

قُلْتُ: فَمَا سِوَى الرَّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ إذَا أُوضِحَ عَلَى الْعَظْمِ فَلَيْسَ فِيهِ عَقْلُ الْمُوضِحَةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: لَا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مُوضِحَةَ الْوَجْهِ، أَهِيَ مِثْلُ مُوضِحَةِ الرَّأْسِ؟

قَالَ: نَعَمْ إلَّا أَنْ تُشِينَ الْوَجْهَ فَيُزَادَ فِيهَا لِشَيْنِهَا.

قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَحَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ حِينَ قَالَ: يُزَادُ فِي مُوضِحَةِ الْوَجْهِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ نِصْفِ عَقْلِ الْمُوضِحَةِ؟

قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ يُزَادُ فِيهَا عَلَى قَدْرِ الِاجْتِهَادِ إذَا شَانَتْ الْوَجْهَ، فَإِنْ لَمْ تَشِنْ الْوَجْهَ فَلَا يُزَادُ فِيهَا شَيْءٌ.

[دِيَةُ اللِّسَانِ]

ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ اللِّسَانَ مَا مَنَعَ مِنْهُ الْكَلَامَ، أَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنْ قُطِعَ اللِّسَانُ مِنْ أَصْلِهِ فَإِنَّمَا فِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: أَرَأَيْت مَا قُطِعَ مِنْ اللِّسَانِ مِمَّا لَا يَمْنَعُ الْكَلَامَ؟

قَالَ: إنَّمَا الدِّيَةُ فِي الْكَلَامِ لَيْسَ فِي اللِّسَانِ، بِمَنْزِلَةِ الْأُذُنَيْنِ إنَّمَا الدِّيَةُ فِي السَّمْعِ وَلَيْسَ فِي الْأُذُنَيْنِ، فَكَذَلِكَ اللِّسَانُ إنَّمَا تَكُونُ الدِّيَةُ فِيهِ إذَا قُطِعَ مِنْهُ مَا يَمْنَعُ الْكَلَامَ.

قُلْتُ: فَإِنْ قَطَعَ مَنْ لِسَانِهِ مَا نَقَصَ مِنْ حُرُوفِهِ؟

قَالَ: يُنْظَرُ فِيهِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَلَا أَقُومُ عَلَى حَفِظَ الْحُرُوفِ عَنْ مَالِكٍ.

قُلْتُ: فَمَا تَرَى فِي الْبَاءِ وَالتَّاءِ وَالثَّاءِ وَالرَّاءِ وَالزَّاي، أَكْلُ هَذَا سَوَاءٌ، وَيُنْظَرُ إلَى تَمَامِ الْحُرُوفِ الْعَرَبِيَّةِ فَيُحْصِيهَا، فَمَا نَقَصَ مِنْ لِسَانِ هَذَا الرَّجُلِ إذَا كَانَ لِسَانُهُ يَتَكَلَّمُ بِالْحُرُوفِ كُلِّهَا جُعِلَتْ عَلَى الْجَانِي بِقَدْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ بَلَغَ الثُّلُثَ حَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ إذَا كَانَ خَطَأً، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ جَعَلْتُهُ فِي مَالِهِ؟

قَالَ: لَا أَدْرِي مَا هَذَا، وَلَكِنْ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى مَا نَقَصَ مِنْ كَلَامِهِ، لِأَنَّ الْحُرُوفَ بَعْضُهَا أَثْقَلُ مِنْ بَعْضٍ فَيَكُونُ عَلَيْهِ مَا نَقَصَ.

قُلْتُ: فَهَلْ يَقُولُ مَالِكٌ فِي عَمْدِ اللِّسَانِ الْقَوَدُ؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ يُسْتَطَاعُ الْقَوَدُ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ مُتْلِفًا، مِثْلُ الْفَخِذِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أُقِيدَ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ مُتْلِفًا مِثْلَ الْفَخِذِ وَالْمُنَقِّلَةِ لَمْ يُقَدْ مِنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>