قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت سِلْعَةً بِطَعَامٍ عَلَى أَنْ أُوَفِّيَهُ إيَّاهُ بِأَفْرِيقِيَّةَ وَضَرَبْت لِذَلِكَ أَجَلًا؟ .
قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِذَلِكَ الطَّعَامِ إلَّا بِأَفْرِيقِيَّةَ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ قَرْضِ الطَّعَامِ عَلَى أَنْ يَقْضِيَ بِبَلَدٍ آخَرَ وَبَيْنَ اشْتِرَاءِ الطَّعَامِ عَلَى أَنْ يَقْضِيَ بِبَلَدٍ آخَرَ لِأَنَّ الْقَرْضَ إذَا كَانَ عَلَى أَنْ يَقْضِيَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ رَبِحَ الْحُمْلَانَ فَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ، وَأَمَّا شِرَاءُ الطَّعَامِ عَلَى أَنْ يَقْضِيَهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ يُسْلِفُونَ فِي الطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنْ يُقْضَوْا الطَّعَامَ فِي بَلَدِ كَذَا وَكَذَا.
قُلْت: فَإِنْ أَبَى أَنْ يَخْرُجَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ مِنْ سَلَمٍ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ بَعْدَ الْأَجَلِ؟ .
قَالَ: يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يُوَكِّلُ وَكِيلًا يَدْفَعُ إلَى الَّذِي لَهُ الطَّعَامُ الطَّعَامَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ هَذَا قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ مَسْأَلَتَك يُجْبَرُ عَلَى الْخُرُوجِ فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ رَأْيِي لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَإِنْ فَاتَ الْأَجَلُ فَمِنْ هَاهُنَا رَأَيْت أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ يُوَكِّلَ مَنْ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ طَعَامَهُ وَلِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيُرِيدُ السَّفَرَ فَيَمْنَعُهُ صَاحِبُ الْحَقِّ قَالَ: إنْ كَانَ سَفَرًا بَعِيدًا يَحِلُّ الْأَجَلُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ وَإِنْ كَانَ سَفَرًا قَرِيبًا يَبْلُغُهُ وَيَرْجِعُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَلَمَّا مَنَعَهُ مَالِكٌ مِنْ السَّفَرِ الْبَعِيدِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ أَوْ يُوَكِّلَ عَلَى مَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ لِقَضَاءِ حَقِّهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ.
[الِاقْتِضَاء مِنْ الطَّعَامِ طَعَامًا]
فِي الِاقْتِضَاءِ مِنْ الطَّعَامِ طَعَامًا قُلْت: أَرَأَيْت إنْ بِعْت مِنْ رَجُلٍ مِائَةَ إرْدَبٍّ حِنْطَةً دَفَعْتهَا إلَيْهِ سَمْرَاءَ بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى أَجَلٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذْت مِنْهُ بِالْمِائَةِ الدِّينَارِ الَّتِي وَجَبَتْ لِي عَلَيْهِ خَمْسِينَ إرْدَبًّا سَمْرَاءَ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ. قُلْت: لِمَ وَإِنَّمَا أَخَذْت أَقَلَّ مِنْ حَقِّي، وَقَدْ كَانَ يَجُوزُ لِي أَنْ آخُذَ مِنْ الْمِائَةِ الدِّينَارِ مِائَةَ إرْدَبٍّ سَمْرَاءَ فَلَمَّا أَخَذْتُ خَمْسِينَ إرْدَبًّا سَمْرَاءَ لَمْ يَجُزْ لِي؟ قَالَ: لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَكُونَ الْخَمْسُونَ ثَمَنًا لِلْمِائَةِ الْإِرْدَبِّ أَوْ تَكُونَ الْمِائَةُ إرْدَبٍّ سَمْرَاءَ بِخَمْسِينَ إرْدَبًّا سَمْرَاءَ إلَى أَجَلٍ، فَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ سَمْرَاءَ إلَى أَجَلٍ فَأَخَذَ فِي ثَمَنِهَا حِينَ حَلَّ الْأَجَلُ مَحْمُولَةً أَوْ شَعِيرًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ بَرْنِيًّا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَأَخَذَ مِنْ الْبَرْنِيِّ عَجْوَةً أَوْ صَيْحَانِيًّا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الصِّنْفِ الَّذِي بَاعَهُ مِثْلَ مَكِيلَةِ مَا بَاعَهُ بِهِ فِي جَوْدَتِهِ وَصِفَتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute