للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فِيمَنْ وَطِئَ جَارِيَةً لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَقَالَ قَدْ اشْتَرَيْتهَا أَوْ تَزَوَّجْتهَا]

قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَطِئَ أَمَةَ رَجُلٍ، فَقَالَ الْوَاطِئُ: اشْتَرَيْتهَا مِنْ سَيِّدِهَا، وَقَالَ سَيِّدُهَا: لَمْ أَبِعْهَا مِنْك، وَلَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا قَالَ: يُحَدُّ إذَا لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى الشِّرَاءِ، وَتُحَدُّ الْجَارِيَةُ مَعَهُ، قَالَ: وَلَوْ جَازَ هَذَا لِلنَّاسِ لَمْ يَقُمْ حَدٌّ أَبَدًا لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الرَّجُلِ يُوجَدُ مَعَ الْمَرْأَةِ يَزْنِي بِهَا فَيَقُولُ: تَزَوَّجْتهَا. وَتَقُولُ: تَزَوَّجَنِي. وَهُمَا مُقِرَّانِ بِالْوَطْءِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ أَنَّ عَلَيْهِمَا الْحَدَّ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُك فِي الْأَمَةِ. قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ الَّذِي وَطِئَ الْأَمَةَ، ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ سَيِّدِهَا - وَسَيِّدُهَا مُنْكِرٌ - فَقَالَ لَك: اسْتَحْلِفْ لِي سَيِّدَهَا أَنَّهُ لَمْ يَبِعْهَا مِنِّي. فَاسْتَحْلَفْتَهُ فَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، أَيَجْعَلُ الْجَارِيَةَ لِلْمُشْتَرِي قَالَ: أَرُدُّ الْيَمِينَ - فِي قَوْلِ مَالِكٍ - عَلَى الَّذِي ادَّعَى الشِّرَاءَ إذَا نَكَلَ الْمُدَّعِي قَبْلَهُ الشِّرَاءَ عَنْ الْيَمِينِ، فَإِذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي جُعِلَتْ الْجَارِيَةُ جَارِيَتَهُ وَدَرَأَتْ عَنْهُ الْحَدَّ، لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ مِلْكَهُ وَثَبَتَ شِرَاؤُهُ.

قُلْت: وَاَلَّذِي وَطِئَ الْمَرْأَةَ فَادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: تَزَوَّجَنِي، وَقَالَ الْوَلِيُّ: زَوَّجْتهَا مِنْهُ بِرِضَاهَا إلَّا أَنَّا لَمْ نُشْهِدْ بَعْدُ وَنَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نُشْهِدَ، أَيُدْفَعُ الْحَدُّ عَنْ هَؤُلَاءِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟

قَالَ: لَا يُدْفَعُ الْحَدُّ عَنْ هَذَيْنِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى النِّكَاحِ غَيْرُهُمْ. قَالَ: وَكَذَلِكَ بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا شَهِدَ عَلَيْهِمَا بِالزِّنَا، ثُمَّ زَعَمَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا أَنَّهُ زَوَّجَهَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى إثْبَاتِ النِّكَاحِ. قُلْت: أَرَأَيْت إنْ حَدَدْتهمَا - وَهُمَا بِكْرَانِ - ثُمَّ قَالَا: نَحْنُ نُقِرُّ عَلَى نِكَاحِنَا الَّذِي حُدِدْنَا فِيهِ. وَقَالَ الْوَلِيُّ: قَدْ كُنْت زَوَّجْتهَا وَلَمْ أُشْهِدْ وَأَنَا الْآنَ أُشْهِدُ لَهَا. أَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا. وَأَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُحْدِثَا نِكَاحًا جَدِيدًا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ. قُلْت: لِمَ؟

قَالَ: مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمَا قَدْ حُدَّا فِي ذَلِكَ الْوَطْءِ. قُلْت: هَلْ يُسْتَحْلَفُ الرَّجُلُ مَعَ امْرَأَتَيْنِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ قَالَ: نَعَمْ، فِي الْأَمْوَالِ كُلِّهَا الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ مِنْ الدُّيُونِ وَالْوَصَايَا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهُمَا وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ. قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَطِئَ جَارِيَةً ثُمَّ قَالَ: اشْتَرَيْتهَا مِنْ سَيِّدِهَا، وَأَقَامَ امْرَأَةً تَشْهَدُ عَلَى الشِّرَاءِ، أَتُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى الْوَاطِئِ أَمْ لَا؟ قَالَ: نَعَمْ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِأَمْرٍ يَقْطَعُ بِهِ شَيْئًا، وَشَهَادَةُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَا شَيْءَ عِنْدَ مَالِكٍ سَوَاءٌ، لِأَنَّ مَالِكًا حَدَّثَنِي أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ زَوْجِي يَطَأُ جَارِيَتِي. فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُمَرُ، فَاعْتَرَفَ بِوَطْئِهَا وَقَالَ: إنَّهَا بَاعَتْنِيهَا. فَقَالَ عُمَرُ: لَتَأْتِيَنِّي بِالْبَيِّنَةِ أَوْ لَأَرْجُمَنَّكَ بِالْحِجَارَةِ. فَاعْتَرَفَتْ الْمَرْأَة أَنَّهَا بَاعَتْهَا مِنْهُ فَخَلَّى سَبِيلَهُ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الْجَارِيَةَ الَّتِي وَطِئَهَا - وَسَيِّدُهَا يُنْكِرُ الْبَيْعَ - أَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا شَهِدُوا عَلَى الرُّؤْيَةِ وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ وَطِئَهَا وَادَّعَى الشِّرَاءَ وَأَنْكَرَ سَيِّدُهَا الْبَيْعَ.

قَالَ سَحْنُونٌ: قَالَ أَشْهَبُ: يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ أَقَرَّ سَيِّدُهَا أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْهُ وَأَنْكَرَ سَيِّدُهَا الْبَيْعَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>