أَوْصَى لَهُمْ بِهِ، فَلَمَّا اسْتَحَقَّ الْمُصَدِّقُ بَعْضَهُ لَمْ يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَوْ أَوْصَى شَيْئًا بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ فَاسْتَحَقَّ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْوَرَثَةِ بِقِيمَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ.
قُلْتُ أَرَأَيْتَ الْمَسَاكِينَ لِمَ جَعَلْتَ الْمُصَدِّقَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ وَهُمْ إنَّمَا يَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مُدٌّ مَدٌّ أَوْ مُدَّانِ مَدَّانِ، فَلِمَ أَمَرْتَ الْمُصَدِّقَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ وَأَمَرْتَهُ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ الْوَرَثَةِ وَمَا فِي يَدِ كُلِّ وَارِثٍ أَكْثَرُ مِمَّا فِي يَدِ كُلِّ مِسْكِينٍ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ الرَّجُلَ أَوْصَى بِثَمَرِ حَائِطِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ، أَوْ بِزَرْعِ أَرْضِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ، أَوْ أَوْصَى بِهِ كُلَّهُ لِلْمَسَاكِينِ لَمْ تَسْقُطْ زَكَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ لِكُلِّ مِسْكِينٍ إلَّا مُدٌّ وَاحِدٌ، وَالْوَرَثَةُ لَا يُشْبِهُونَ الْمَسَاكِينَ فِي هَذَا، لِأَنَّ الْوَرَثَةَ حِينَ وَرِثُوهُ وَهُوَ أَخْضَرُ كَأَنَّهُمْ هُمْ زَرَعُوهُ، فَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ حَظُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا تَجِبُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ فِيهِ شَيْءٌ، وَالْمَسَاكِينُ الَّذِينَ صَارَ لَهُمْ إنَّمَا هُوَ مَالُ الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتُ رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَحَظُّ الْمَسَاكِينِ عَلَى أَصْلِ الْمَالِ كَمَا كَانَ عِنْدَ الْمَيِّتِ فَإِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْهُ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا هِيَ مَالٌ لِلْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ لَكَ أَيْضًا.
لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: ثَمَرَةُ حَائِطِي سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً لِلْمَسَاكِينِ أُخِذَتْ مِنْهُ الصَّدَقَةُ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَلَا مَا يَرِثُهُ الرَّجُلُ بِعَيْنِهِ، قَالَ: لِأَنَّ الَّذِي أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُ الزَّرْعِ، صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ مَعَ الْوَرَثَةِ فَقَدْ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ يَوْمَ مَاتَ الْمَيِّتُ، وَالزَّرْعُ أَخْضَرُ وَالْمَسَاكِينُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَسَقْيِهِ وَعَمَلِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَبْسِ، فَحَظُّ الْمَسَاكِينِ مِنْ ذَلِكَ هُوَ عَلَى الْأَصْلِ كَمَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ حَتَّى يَقْبِضُوهُ.
قَالَ: وَقَدْ كَانَتْ أَحْبَاسُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تُؤْخَذُ مِنْهَا الزَّكَاةُ.
[زَكَاةِ الزَّرْعِ الَّذِي قَدْ أَفْرَكَ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ يَمُوتُ صَاحِبُهُ]
فِي زَكَاةِ الزَّرْعِ الَّذِي قَدْ أَفْرَكَ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ يَمُوتُ صَاحِبُهُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ زَرَعَ رَجُلٌ زَرْعًا فَأَفْرَكَ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ، فَمَاتَ رَبُّ هَذَا الزَّرْعِ مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ؟ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ. قَدْ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا أَفَرْكَ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ إذَا كَانَ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ أَوْ لَمْ يُوصِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يُفْرِكْ وَلَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ الْمَاءِ، فَلَيْسَتْ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ وَالزَّكَاةُ عَلَى مَنْ وَرِثَهُ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ، فَمَنْ كَانَتْ حِصَّتُهُ تَبْلُغُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا أُخِذَتْ مِنْهُ عَلَى حِسَابِ ذَلِكَ، وَمَنْ كَانَتْ حِصَّتُهُ لَا تَبْلُغُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هُوَ زَارِعُهُ فَلَمْ يَبْلُغْ مَا يَرْفَعُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ.
[جَمْعُ الْحُبُوبِ وَالْقَطَانِيِّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ]
ِ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَشْيَاءُ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute