إلَّا مَا صُولِحَ عَلَيْهِ فِيهِ عَلَى الرِّضَا مِنْهُمَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَقْتُولَ يَعْفُو عَنْ دَمِهِ فَلَا يَكُونُ لِلْوَارِثِ حُجَّةٌ فِي أَنْ يَقُولَ فِعْلُهُ فِي ثُلُثِهِ وَلَا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ فَعَفَا عَنْ دَمِهِ أَنْ يَقُولَ الْغَرِيمُ فَرَّ عَنِّي بِمَالِهِ وَلَوْ أَنَّهُ صَالَحَ مِنْ دَمِهِ أَوْ مِنْ جِرَاحَةٍ عَمْدًا أُصِيبَ بِهِمَا عَلَى مَالٍ وَهُوَ يَخَافُ عَلَيْهِ الْمَوْتَ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ فَثَبَتَ الصُّلْحُ ثُمَّ حَطَّ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ إنْ كَانَ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالدَّيْنُ أَوْلَى مِنْ الْمَعْرُوفِ الَّذِي صَنَعَ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَنَى جِنَايَةً عَمْدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُصَالِحَ وَيُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ الْقِصَاصَ بِمَالٍ يُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِهِ لَكَانَ لِلْغُرَمَاءِ رَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَلَفًا لِأَمْوَالِهِمْ.
[صَالَحَ رَجُلًا عَلَى إنْكَارٍ ثُمَّ أَصَابَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَوْ أَقَرَّ لَهُ الْمُنْكِرُ بَعْدَ الصُّلْحِ]
رَسْمٌ فِي رَجُلٍ صَالَحَ رَجُلًا عَلَى إنْكَارٍ ثُمَّ أَصَابَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَوْ أَقَرَّ لَهُ الْمُنْكِرُ بَعْدَ الصُّلْحِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَنْكَرَ الَّذِي الدَّارُ فِي يَدَيْهِ فَصَالَحَهُ الْمُدَّعِي عَلَى مَالٍ فَأَخَذَهُ مِنْ الْمُدَّعِي قِبَلَهُ وَهُوَ يُنْكِرُ ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي فِي الدَّارِ حَقٌّ وَأَنَّهُ جَحَدَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَدَّعِي قِبَلَ الرَّجُلِ الدَّيْنَ فَيَجْحَدُهُ ثُمَّ يُصَالِحُهُ ثُمَّ يَجِدُ بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةً عَلَيْهِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ صَالَحَهُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً وَإِنَّمَا كَانَتْ مُصَالَحَتُهُ إيَّاهُ لِأَنَّهُ جَحَدَهُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِبَقِيَّةِ حَقِّهِ إذَا وَجَدَ بَيِّنَةً.
قَالَ: فَقُلْتُ: فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ غَائِبَةً فَقَالَ لَهُ: إنَّ لِي عَلَيْكَ بَيِّنَةً وَهُمْ غُيَّبٌ وَهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَجَحَدَهُ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الرَّجُلُ خَافَ أَنْ تَمُوتَ شُهُودُهُ أَوْ يَعْدَمَ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ يَطْعَنَ فَصَالَحَهُ فَلَمَّا قَدِمَتْ شُهُودُهُ قَامَ عَلَيْهِ؟
قَالَ: لَا أَرَى لَهُ شَيْئًا وَلَوْ شَاءَ لَمْ يَعْجَلْ وَلَمْ يَرَهُ مِثْلَ الْأَوَّلِ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مَسْأَلَتِكَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ صَالَحَ عَلَى الْإِنْكَارِ أَيُجِيزُهُ مَالِكٌ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: مِثْلُ مَا يَدَّعِي عَلَى الْمُدَّعِي قِبَلَهُ مِائَةُ دِينَارٍ فَيُنْكِرُهَا فَيُصَالِحُهُ عَلَى شَيْءٍ يَدْفَعُهُ إلَيْهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ أَيُجِيزُهُ مَالِكٌ وَيَجْعَلُهُ قَطْعًا لِدَعْوَاهُ تِلْكَ وَصُلْحًا مِنْ تِلْكَ الْمِائَةِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَا صَالَحَهُ عَلَيْهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ ادَّعَيْتُ دَيْنًا لِي عَلَى رَجُلٍ فَصَالَحْتُهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى ثِيَابٍ مَوْصُوفَةٍ