للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الدِّيَةَ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ حِينَ صَارَتْ. أَمْوَالُهُمْ ذَهَبًا وَوَرِقًا وَتَرَكَ دِيَةَ الْإِبِلِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ عَلَى حَالِهَا - وَالْغُرَّةُ إنَّمَا هِيَ سُنَّةٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمَةٌ - عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً - أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَيْسَ الْخَمْسُونَ دِينَارًا فِي الْغُرَّةِ وَلَا السِّتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ كَالسُّنَّةِ الْقَائِمَةِ وَاسْتَحْسَنَهُ، وَالدِّيَةُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ.

أَلَا تَرَى أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ الَّذِي يَذْكُرُهُ عَنْ مَالِكٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِيهِ بِالْغُرَّةِ عَبْدًا وَوَلِيدَةً» . وَفِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الَّذِي يَذْكُرُهُ عَنْهُ مَالِكٌ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي الْجَنِينِ يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةٍ عَبْدًا وَوَلِيدَةً» . وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ، أَنَّ الْغُرَّةَ تُقَوَّمُ خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَقَالَ لِي مَالِكٌ فِي الْغُرَّةِ الَّتِي قَضَى فِيهَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الْحُمْرَانُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ السُّودَانِ.

وَرَخَّصَ فِي السُّودَانِ عَلَى حَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ إذَا كَانَ الْحُمْرَانُ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ قَلِيلًا، أَنْ يُؤْخَذَ السُّودَانُ. وَذُكِرَ فِي التَّقْوِيمِ أَنَّهُ لَيْسَ كَالسُّنَّةِ، فَإِنَّمَا دِيَةُ الْجَنِينِ عَبْدًا وَوَلِيدَةً أَيْنَمَا وَقَعَتْ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى مَنْ وَقَعَتْ، وَلَا يُلْتَفَتُ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِنْ غَيْرِهِمْ.

وَكَذَلِكَ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْغُرَّةِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ فِي الْجَنِينِ» ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ فِي الْجَنِينِ إبِلٌ لَكَانَ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ وَرِقٌ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ ذَهَبٌ، وَلَكِنَّهَا عَلَى مَا قَضَى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا كَانَتْ إبِلًا، عِنْدَمَا قَضَى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي قُتِلَ بِخَيْبَرَ، فَإِنَّمَا وَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِبِلٍ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ، وَقَضَى فِي الْغُرَّةِ بِعَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ.

[الْإِقْرَارُ بِقَتْلٍ خَطَأٍ]

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِالْقَتْلِ خَطَأً، أَتَجْعَلُهُ فِي مَالِهِ - فِي قَوْلِ مَالِكٍ - أَمْ عَلَى الْعَاقِلَةِ؟ قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يُقِرُّ بِالْقَتْلِ خَطَأً فَقَالَ لِي مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يُنْظَرَ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ مِمَّنْ يُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَرَادَ غِنَى وَلَدِهِ - مِثْلَ الْأَخِ وَالصَّدِيقِ - لَمْ أَرَ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَقَرَّ بِقَتْلِهِ مِنْ الْأَبَاعِدِ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ فِيهِ، رَأَيْتُ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ إذَا كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا وَلَمْ يُخَفْ أَنْ يَكُونَ أُرْشِيَ عَلَى ذَلِكَ لِيُحَابِيَ بِهِ أَحَدًا. قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: فَعَلَى مَنْ عَقْلُهُ؟

قَالَ: عَلَى عَاقِلَتِهِ. قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: أَفَبِقَسَامَةٍ أَمْ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ؟

قَالَ: بَلْ بِقَسَامَةٍ، يُقْسِمُ وُلَاةُ الدَّمِ ثُمَّ يَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ قِبَلَ الْعَاقِلَةِ.

قُلْتُ: فَإِنْ أَبَى وُلَاةُ الدَّمِ أَنْ يُقْسِمُوا، أَتُجْعَلُ الدِّيَةُ فِي مَالِ هَذَا الْمُقِرِّ؟

قَالَ: لَا، وَلَا أَرَى لَهُمْ شَيْئًا لِأَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُضْرَبُ فَيَقُولُ: فُلَانٌ قَتَلَنِي خَطَأً، أَتَرَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ.

قُلْتُ: فَالْعَقْلُ عَلَى مَنْ هُوَ، أَعَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ أَمْ عَلَى عَاقِلَتِهِ؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: بَلْ عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ أَقْسَمُوا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي مَالِ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْءٌ. فَكَذَلِكَ إقْرَارُ هَذَا بِالْخَطَأِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ - فِي قَوْلِ مَالِكٍ - عَلَى الْمُقِرِّ بِإِقْرَارِهِ، إنَّمَا تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَلَا تَثْبُتُ إلَّا بِقَسَامَةٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ.

قُلْتُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>