أَحَالَ فِي هَذَا الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ، أَمْ يَكُونُ الرَّجُلُ الَّذِي احْتَالَ بِهِ أَوْلَى مِنْ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ؟
قَالَ: إذَا أَحَالَهُ عَلَى رَجُلٍ وَلَهُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَالْمُحَالُ أَوْلَى بِمَا عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ يُشْبِهُ الْبَيْعَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ بِدَيْنِهِ، إنْ تَوَى مَا عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ غُرَمَاءِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَحَالَهُ حِينَ أَحَالَهُ سَقَطَ مَا كَانَ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ، وَصَارَ ذَلِكَ الدَّيْنُ لِلَّذِي أُحِيلَ عَلَيْهِ وَحَازَهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
[أَحَال رَجُلًا عَلَى رَجُلِ وَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَرِضَى الْمُحْتَالُ أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ الدَّيْنِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَحَالَنِي غَرِيمٌ لِي عَلَى رَجُلٍ، وَلَيْسَ لِلْغَرِيمِ عَلَى هَذَا الْمُحْتَالِ، عَلَيْهِ مَالٌ وَشَرَطَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ بَرِئَ مَنْ الْمَالِ الَّذِي عَلَيْهِ، أَوْ قَالَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ: أَحِلْنِي عَلَى فُلَانٍ وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ الَّذِي عَلَيْكَ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ إلَّا مَا أَخْبَرْتُكَ فِي الْحَوَالَةِ، إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لِلَّذِي أَحَالَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. فَإِنَّمَا هِيَ حَمَالَةٌ وَالْحَوَالَةُ عِنْدَ مَالِكٍ تَبْرِئَةٌ، إذَا كَانَ لَهُ عَلَى الَّذِي أَحَالَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. فَأَرَى فِي مَسْأَلَتِكَ أَنَّهُ، إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَرَضِيَ بِأَنْ يَحْتَالَ عَلَيْهِ وَأَبْرَأَهُ مِنْ ذَلِكَ، أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ هَذَا بِمَا أَقَرَّ بِهِ. وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي رَجُلٍ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَلَزِمَهُ، فَتَحَمَّلَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ النَّاسِ فَقَالَ: أَنَا لَكَ بِمَالِكَ. فَخَرِقَ ذِكْرُ الْحَقِّ عَنْهُ، وَاطْلُبْنِي بِمَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ تَحَوَّلَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ؛ كَانَ لِلْغَرِيمِ حَمَالَةً، فَشَقَّ صَحِيفَتَهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ وَصَارَ يَطْلُبُهُ بِحَقِّهِ، حَتَّى أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً.
قَالَ: يَرْجِعُ صَاحِبُ الْحَقِّ إلَى غَرِيمِهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَمَلَ إنَّمَا هُوَ رَجُلٌ وَعَدَ رَجُلًا أَنْ يُسَلِّفَهُ وَيَقْضِيَ عَنْهُ، فَهُوَ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَقْضِيَ غَرِيمُهُ عَنْهُ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ ذَلِكَ، أَنَّ غُرَمَاءَ الْمُفْلِسِ الْحَمِيلِ لَوْ قَالُوا لِلَّذِي تَحَمَّلَ عَنْهُ: هَلُمَّ هَذَا الَّذِي تَحَمَّلَ بِهِ صَاحِبُنَا عَنْكَ نُقَسِّمُهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى هَذَا الَّذِي تَحَمَّلَ عَنْهُ أَنْ يُؤْخَذَ مَالُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ أَخَذَهُ وَلَا قَضَى عَنْهُ، فَكُلُّ شَيْءٍ كَانَ مِنْ الْحَمَالَةِ فَهُوَ يَرْجِعُ، وَلَكِنْ مَا كَانَ مِنْ الْحَوَالَةِ فَهُوَ الَّذِي يَثْبُتُ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ ذَهَبٌ، وَيَكُونَ لِلَّذِي عَلَيْهِ الذَّهَبُ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ ذَهَبٌ مِثْلُ تِلْكَ الذَّهَبِ، فَيُحِيلُ الَّذِي عَلَيْهِ الذَّهَبُ غَرِيمَهُ الَّذِي يَطْلُبُهُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ، فَيَحْتَالُ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى غَرِيمِ صَاحِبِهِ فَيُفْلِسُ، فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَرْجِعُ.
قُلْتُ: لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ أَحَالَنِي عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي أَحَالَنِي عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَيَكُونُ لِي أَنْ آخُذَ الَّذِي أَحَالَنِي عَلَيْهِ بِحَقِّي، أَوْ آخُذَ الَّذِي احْتَلْتُ عَلَيْهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَنْ أَحَالَ عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ عَلَى الَّذِي أَحَالَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنَّمَا هِيَ حَمَالَةٌ، سَبِيلُهُ سَبِيلُ مَا وَصَفْتُ لَكَ فِي الْحَمَالَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute