[كِتَابُ الِاسْتِحْقَاقِ]
ِ قَالَ سَحْنُونٌ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَأْجَرْت أَرْضًا مِنْ رَجُلٍ سِنِينَ، عَلَى أَنْ أَسْكُنَ فِيهَا أَوْ أَبْنِيَ أَوْ أَغْرِسَ، فَفَعَلْتُ فَبَنَيْتُ وَغَرَسْت وَزَرَعْت، ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ رَجُلٌ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ؟ فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَى الَّذِي آجَرَهُ إنْ كَانَ الَّذِي آجَرَهُ الْأَرْضَ إنَّمَا كَانَ اشْتَرَى الْأَرْضَ، فَالْكِرَاءُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْكِرَاءَ لَهُ بِالضَّمَانِ إلَى يَوْمِ اسْتَحَقَّ مَا فِي يَدَيْهِ مِنْ السُّكْنَى، فَإِنْ كَانَتْ لِلزَّرْعِ فَاسْتُحِقَّتْ وَقَدْ فَاتَ إبَّانُ الزَّرْعِ، فَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ كِرَاءِ تِلْكَ السَّنَةِ شَيْءٌ، وَهُوَ مِثْلُ مَا مَضَى وَفَاتَ.
قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ مَضَى مِنْ السِّنِينَ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ إبَّانَ الزَّرْعِ لَمْ يَفُتْ، فَالْمُسْتَحِقُّ أَوْلَى بِكِرَاءِ تِلْكَ السَّنَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي يَعْمَلُ فِيهَا السَّنَةَ كُلَّهَا، فَهِيَ مِثْلُ السُّكْنَى. إنَّمَا يَكُونُ لَهُ مِنْ يَوْمِ اسْتَحَقَّ وَمَا مَضَى فَهُوَ لِلْأَوَّلِ، وَيَكُونُ الْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ السِّنِينَ. فَإِنْ شَاءَ أَجَازَ الْكِرَاءَ إلَى الْمُدَّةِ، وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ. فَإِنْ أَجَازَ إلَى الْمُدَّةِ، فَلَهُ إنْ شَاءَ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ أَنْ يَأْخُذَ النَّقْضَ وَالْغَرْسَ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا، وَإِنْ شَاءَ أَمَرَ صَاحِبَهُ بِقَلْعِهِ. فَإِنْ أَبَى أَنْ يُخَيِّرَ وَفَسَخَ الْكِرَاءَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْلَعَ الْبِنَاءَ وَلَا يَأْخُذَهُ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا، وَلَكِنَّهُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ قِيمَتَهُ قَائِمًا وَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلِبَانِي أَوْ الْغَارِسِ: أَعْطِهِ قِيمَةَ الْأَرْضِ. فَإِنْ أَبَيَا كَانَا شَرِيكَيْنِ وَهَكَذَا هَذَا الْأَصْلُ فِي الْبُنْيَانِ وَالْغَرْسِ.
وَأَمَّا الْأَرْضُ الَّتِي تُزْرَعُ مَرَّةً فِي السَّنَةِ، فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُ كِرَاءِ تِلْكَ السَّنَةِ الَّتِي اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ كِرَاؤُهَا لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْضًا تَعْمَلُ السَّنَةَ كُلَّهَا، فَلَهُ مِنْ يَوْمِ يَسْتَحِقُّهَا وَإِنْ أَرَادَ الْفَسْخَ لَزِمَهُ تَمَامُ الْبَطْنِ الَّتِي هُوَ فِيهَا عَلَى حِسَابِ السَّنَةِ وَفَسْخُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ لَيْسَ بِغَاصِبٍ وَلَا مُتَعَدٍّ، وَإِنَّمَا زَرَعَ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ، وَمِمَّا يَجُوزُ لَهُ. وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ وَرِثَ تِلْكَ الْأَرْضَ، فَأَتَى رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّهَا أَوْ أَدْرَكَ مَعَهُ شَرِيكًا، فَإِنَّهُ يُتْبِعُ الَّذِي أَكْرَاهَا بِالْكِرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا لِشَيْءٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute