فَإِنَّ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ رُكُوبُ الدَّابَّةِ سَفَرًا بَعِيدًا يُخَافُ عَلَيْهَا فِي مِثْلِهِ تَغَيُّرُ شَيْءٍ مِنْ حَالِهَا، فَأَمَّا الْبَرِيدُ وَالْبَرِيدَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا، وَفَرْقُ مَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ أَنَّهُ لَا يُخْتَبَرُ الثَّوْبُ بِاللِّبْسِ وَيُخْتَبَرُ الْعَبْدُ بِالِاسْتِخْدَامِ فَيُعْرَفُ بِذَلِكَ عَمَلُهُ وَنَفَاذُهُ وَنَشَاطُهُ مِنْ ضِعْفِهِ وَبَلَادَتِهِ وَكَسَلِهِ فَبِذَلِكَ اخْتَلَفَا، وَإِنَّمَا كَرِهْتُ بَيْعَ الْخِيَارِ إلَى الْأَجَلِ الْبَعِيدِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ وَالْمُقَامَرَةِ أَنَّهُ يَبْلُغُ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَبْلُغَهُ لَوْلَا الْخِيَارُ الَّذِي فِيهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ ضَمَانُ ذَلِكَ مِنْهُ إلَى الْأَجَلِ الَّذِي ضَرَبَا فِيهِ فَزَادَهُ زِيَادَةً بِضَمَانِهِ السِّلْعَةَ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ إنْ سُلِّمَتْ إلَيْهِ أَخَذَ السِّلْعَةَ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي يَشْتَرِي بِهِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ بِغَيْرِ ضَمَانٍ أَوْ بِأَكْثَرَ لِمَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ مِنْ ضَمَانِهَا إلَيْهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَنْتَفِعُ بِهَا إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ بِغَيْرِ اخْتِبَارٍ وَقَدْ يَخْتَبِرُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ الْأَجَلِ، وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ اشْتِرَاءَ السِّلْعَةِ بِعَيْنِهَا إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ بِغَيْرِ اشْتِرَاطِ النَّقْدِ.
قَالَ مَالِكٌ: لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ وَالْقِمَارِ أَنَّهُ زَادَهُ فِي ثَمَنِهَا عَلَى أَنْ يَضْمَنَهَا إلَى الْأَجَلِ وَضَمَانُهَا خَطَرٌ وَقِمَارٌ.
قُلْتُ: وَالْخِيَارُ إنْ اشْتَرَطَهُ الْبَائِعُ فَهُوَ لَهُ جَائِزٌ مِثْلُ مَا لَوْ اشْتَرَطَهُ الْمُبْتَاعُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
[اشْتَرَى بِطِّيخًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ فَاكِهَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ]
فِي رَجُلٍ اشْتَرَى بِطِّيخًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ فَاكِهَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى بِطِّيخًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ فَاكِهَةً رَطْبَةً تُفَّاحًا أَوْ خَوْخًا أَوْ رُمَّانًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِكَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَيَكُونُ لَهُ هَذَا الْخِيَارُ الَّذِي شَرَطَ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا وَأَرَى أَنْ يُنْظَرَ فِي هَذَا إلَى مَا يَصْنَعُ النَّاسُ فَإِنْ كَانُوا يَسْتَشِيرُونَ فِي ذَلِكَ وَيُرُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ غَيْرَهُمْ وَيَحْتَاجُونَ فِيهِ إلَى رَأْيِ غَيْرِهِمْ رَأَيْتُ لَهُمْ مِنْ الْخِيَارِ قَدْرَ حَاجَتِهِمْ إلَى ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ مِنْ الْخِيَارِ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْأَشْيَاءِ مِمَّا لَا يَقَعُ فِيهِ تَغْيِيرٌ وَلَا فَسَادٌ، قَالَ: وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَغِيبَ الْمُشْتَرِي عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ إذَا غُيِّبَ عَلَيْهِ.
قَالَ أَشْهَبُ: وَمِنْ الْكَرَاهِيَةِ فِيهِ إذَا غُيِّبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَصِيرُ مَرَّةً بَيْعًا إنْ اخْتَارَ إجَازَتَهُ وَيَصِيرُ مَرَّةً سَلَفًا إنْ رَدَّهُ وَلَمْ يَخْتَرْ إجَازَةَ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَيُرَدُّ مِثْلُهُ، وَقَدْ كَانَ انْتَفَعَ بِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِنْ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالْحِنَّاءِ وَالْعُصْفُرِ وَالْقَمْحِ وَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَهُ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ كَانَ عِنْدَهُ سَلَفًا فَيَصِيرُ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً، وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ الْعُرُوضِ وَلَا الْحَيَوَانِ.
أَلَا تَرَى أَنَّكَ لَوْ بِعْتَ مَنْ رَجُلٍ عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَلَمَّا جَاءَ الْأَجَلُ أَخَذْت مِنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute