[فِي الْحَمِيلِ بِالْوَجْهِ لَا يَغْرَمُ الْمَالَ]
َ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَنَا أَتَكَفَّلُ بِوَجْهِهِ إلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ لَمْ آتِ بِهِ وَإِلَّا فَعَلَيَّ طَلَبُهُ حَتَّى آتِيَ بِهِ فَأَمَّا الْمَالُ فَلَا أَضْمَنُهُ. أَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ إنْ مَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ كَمَا اشْتَرَطَهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَكَفَّلْت لِرَجُلٍ بِوَجْهِ رَجُلٍ إلَى كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ لَمْ أُوَافِهِ بِهِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ الْمَالِ، وَلَكِنَّنِي حَمِيلٌ لَهُ بِوَجْهِهِ أَطْلُبُهُ حَتَّى آتِيهِ بِهِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ عَلَى شَرْطِهِ الَّذِي اشْتَرَطَهُ، لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا طَلَبُ وَجْهِهِ هُوَ شَرْطٌ لِنَفْسِهِ مَا ذَكَرْتُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا تَحَمَّلَ الرَّجُلُ بِالرَّجُلِ أَوْ بِالْحَقِّ أَوْ بِعَيْنِهِ، فَالْحَمَالَةُ لَازِمَةٌ كَالدَّيْنِ وَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ، إلَّا أَنَّهُ إذَا تَحَمَّلَ بِالرَّجُلِ أَوْ بِالْعَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ بِالْمَالِ، فَجَاءَ بِالرَّجُلِ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ جَمِيعِ حَمَالَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ أُغْرِمَ الْحَمِيلُ كَمَا يُغَرَّمُ مَنْ تَحَمَّلَ بِالْمَالِ. فَالْحَمَالَةُ بِنَفْسِ الرَّجُلِ وَبِالْمَالِ سَوَاءٌ، إذَا لَمْ يَأْتِ بِالرَّجُلِ، وَحَمِيلُ الْمَالِ لَا يُبَرِّئُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالرَّجُلِ.
وَمَنْ اشْتَرَطَ فِي الْحَمَالَةِ بِالْوَجْهِ أَنِّي لَسْتُ مِنْ الْمَالِ فِي شَيْءٍ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ، أَجَاءَ بِالرَّجُلِ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَحْمُولَ لَهُ لَمْ يُؤَكِّدْ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الَّذِي اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ أَنِّي لَسْتُ مِنْ الْمَالِ فِي شَيْءٍ، كَانَ قَادِرًا عَلَى الْإِتْيَانِ بِالرَّجُلِ الَّذِي تَحَمَّلَ بِهِ، فَفَرَّطَ فِي ذَلِكَ وَتَرَكَهُ وَهُوَ يُمْكِنُهُ حَتَّى غَابَ، فَيَكُونُ قَدْ غَرِمَ وَلَمْ يُؤْخَذْ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَخَذَ لِيَجْمَعَهُ عَلَى صَاحِبِهِ - وَلَيْسَ هَذَا مِنْ شُرُوطِ الْمُسْلِمِينَ - وَإِنْ تَحَمَّلَ بِعَيْنِ الرَّجُلِ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ إلَى الْأَجَلِ الَّذِي تَحَمَّلَ بِهِ إلَيْهِ، فَطَلَبَهُ مِنْهُ الْمَحْمُولُ لَهُ، وَرَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ، فَلَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِالْمَالِ حَتَّى أَتَى بِهِ، فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الْمَالِ وَمِنْ عَيْنِ الرَّجُلِ، وَإِنْ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْمَالِ حِينَ لَمْ يَأْتِ بِالرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ مَا رَآهُ السُّلْطَانُ، فَقَدْ لَزِمَهُ الْمَالُ وَمَضَى الْحُكْمُ، وَإِنْ حَبَسَ الْغَرِيمُ الْمَحْمُولَ بِعَيْنِهِ فِي الْحَبْسِ، وَقَدْ كَفَلَ بِهِ رَجُلٌ فَأَخَذَ بِهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي السِّجْنِ، فَقَدْ بَرِئَ الْحَمِيلُ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ فِي السِّجْنِ، فَيُحْبَسُ لَهُ فِي حَقِّهِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ انْقَضَى مَا سُجِنَ فِيهِ فَهُوَ يُحْبَسُ لَهُ فِي حَقِّهِ.
وَكَذَلِكَ إذَا أَمْكَنَهُ مِنْهُ فِي مَوْضِعِ حُكْمٍ وَسُلْطَانٍ، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ. وَإِنْ دَفَعَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَسْتَطِيعُ حَبْسُهُ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ سُلْطَانًا؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا سُلْطَانَ فِيهِ، أَوْ فِي حَالِ فِتْنَةٍ أَوْ فِي مَفَازَةٍ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَقْدِرُ الْغَرِيمُ عَلَى الِامْتِنَاعِ، لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ حَتَّى يَدْفَعَهُ حَيْثُ تَمْضِي الْأَحْكَامُ وَيَكُونُ السُّلْطَانُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَكَفَّلَ لَهُ بِنَفْسِهِ فَقَدْ أَمْكَنَهُ مِنْ نَفْسِهِ فِي السِّجْنِ، أَوْ حَيْثُ تَجُوزُ الْأَحْكَامُ. وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْغَرِيمُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَحَمَّلَ لَهُ بِنَفْسِهِ، وَهَذِهِ نَفْسُهُ قَدْ ذَهَبَتْ وَإِنَّمَا تَحَمَّلَ بِهِ مَا كَانَ حَيًّا وَإِنْ كَانَ أُخِذَ الْحَمِيلُ بِالْغَرِيمِ - وَالْغَرِيمُ غَائِبٌ - فَحُكِمَ عَلَى الْحَمِيلِ وَأُغْرِمَ الْمَالَ، ثُمَّ طَلَعَتْ لِلْحَمِيلِ بَيِّنَةٌ أَنَّ الْغَرِيمَ كَانَ مَيِّتًا قَبْلَ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute