دَفَعَهُ إلَيْهَا أَوْ أَنَّهُ اسْتَوْدَعَهُ إذَا ذَكَرَ اسْتَوْدَعَهُ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْتُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِيهَا، أَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ بَيِّنَةً؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَيُصَدَّقُ أَنَّهُ خَافَ عَلَيْهَا أَوْ أَرَادَ سَفَرًا فَخَشِيَ عَوْرَةً فَاسْتَوْدَعَهَا لِذَلِكَ؟
قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا وَعَرَفَ مِنْ مَنْزِلِهِ عَوْرَةً فَيُصَدَّقُ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: وَإِلَّا فَلَا.
[اُسْتُوْدِعَ وَدِيعَةً فَخَرَجَ بِهَا مَعَهُ فِي السَّفَرِ]
فِيمَنْ اُسْتُوْدِعَ وَدِيعَةً فَخَرَجَ بِهَا مَعَهُ فِي السَّفَرِ قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ امْرَأَةٍ مَاتَتْ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَكَانَتْ وَرَثَتُهَا بِالْمَدِينَةِ، فَأَوْصَتْ إلَى رَجُلٍ فَكَتَبَ الرَّجُلُ وَصِيُّ الْمَرْأَةِ إلَى وَرَثَتِهَا فَلَمْ يَأْتِهِ مِنْهُمْ جَوَابٌ، وَطَلَبَ فَلَمْ يَأْتِهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَلَا خَبَرٌ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ حَاجًّا وَخَرَجَ بِالنَّفَقَةِ مَعَهُ لِيَطْلُبَ وَرَثَتَهَا لِيَدْفَعَهَا إلَيْهِمْ فَضَاعَتْ مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهُ ضَامِنًا حِينَ أَخْرَجَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ أَرْبَابِهَا. فَقَالُوا: إنَّهُ خَرَجَ بِهَا لِيَطْلُبَهُمْ فَيَدْفَعَهَا إلَيْهِمْ قَالَ مَالِكٌ: هُوَ عَرَّضَهَا لِلتَّلَفِ، فَلَوْ شَاءَ لَمْ يُخْرِجْهَا إلَّا بِإِذْنِهِمْ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اسْتَوْدَعَنِي وَدِيعَةً فَحَضَرَ مَسِيرِي إلَى بَعْضِ الْبُلْدَانِ فَخِفْتُ عَلَيْهَا فَحَمَلْتُهَا مَعِي فَضَاعَتْ، أَأَضْمَنُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَكَيْفَ أَصْنَعُ بِهَا؟
قَالَ: تَسْتَوْدِعُهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَلَا تُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ.
[فِيمَنْ اُسْتُوْدِعَ دَرَاهِمَ أَوْ حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِمِثْلِهَا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا اسْتَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَخَلَطَهَا الْمُسْتَوْدَعُ بِدَرَاهِمِهِ فَضَاعَتْ الدَّرَاهِمُ كُلُّهَا أَيَكُونُ عَلَيْهِ ضَمَانٌ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا أَرَى عَلَيْهِ ضَمَانًا فِي رَأْيِي، لِأَنَّ وَدِيعَتَهُ قَدْ ضَاعَتْ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا خَلَطَ دَنَانِيرَ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدِيعَةً فِي دَنَانِيرَ عِنْدَهُ فَضَاعَتْ الدَّنَانِيرُ كُلُّهَا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ.
[فِيمَنْ اُسْتُوْدِعَ حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِشَعِيرٍ]
ٍ قُلْتُ: فَلَوْ اسْتَوْدَعْت رَجُلًا حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِشَعِيرٍ لَهُ فَضَاعَ جَمِيعُ ذَلِكَ، أَيَكُونُ ضَامِنًا لِجَمِيعِ الْحِنْطَةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، لِأَنَّهُ خَلَطَ الْحِنْطَةَ بِالشَّعِيرِ فَقَدْ ضَمِنَ لَهُ الْحِنْطَةَ حِينَ خَلَطَهَا.
قُلْتُ: وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الدَّرَاهِمَ إذَا خَلَطَهَا؟
قَالَ: لَا، لِأَنَّ الْحِنْطَةَ الَّتِي خَلَطَهَا بِالشَّعِيرِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَتَخَلَّصَهَا مِنْ الشَّعِيرِ، وَالدَّرَاهِمُ الَّتِي خَلَطَهَا إنَّمَا هِيَ دَرَاهِمُ وَدَرَاهِمُ، فَلِهَذَا مِنْهَا بِقَدْرِ دَرَاهِمِهِ وَلِهَذَا مِنْهَا بِقَدْرِ دَرَاهِمِهِ. قَالَ: هَذَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدِلَةً فِي الْجَوْدَةِ وَالْحَالِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَوْدَعْت رَجُلًا حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلِهَا فَضَاعَتْ الْحِنْطَةُ كُلُّهَا، أَيَضْمَنُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ شَيْئًا أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَرَى هَذَا مِثْلَ الدَّرَاهِمِ؟
قَالَ: إذَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ وَاحِدَةٌ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَخَلَطَهَا عَلَى وَجْهِ الرَّفْعِ وَالْحِرْزِ، فَلَا أَرَى عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ ضَمَانًا قُلْتُ: فَإِنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ لَا تُشْبِهُ حِنْطَتَهُ؟
قَالَ: أَرَاهُ ضَامِنًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ، لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا حِينَ خَلَطَهَا بِمَا لَا يُشْبِهُهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَلِفَتْ بِمَنْزِلَةِ الْحِنْطَةِ فِي الشَّعِيرِ