للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَتْرُكَ النَّخْلَ وَلَا يَعْمَلَ؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ. قُلْتُ: وَلَيْسَ لِرَبِّ النَّخْلِ أَنْ يَأْخُذَ نَخْلَهُ، حَتَّى يَنْقَضِيَ أَجَلُ الْمُسَاقَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَإِنْ رَضِيَا أَنْ يَتَتَارَكَا قَبْلَ مُضِيِّ أَجَلِ الْمُسَاقَاةِ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَتَتَارَكَا، إذَا لَمْ يَأْخُذْ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ عَلَى الْمُتَارَكَةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الَّذِي يَعْجِزُ عَنْ السَّقْيِ: أَنْ يُقَالَ لَهُ سَاقِ مَنْ أَحْبَبْتَ أَمِينًا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ أَسْلِمْ إلَى رَبِّ الْحَائِطِ حَائِطَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَاقَاهُ ذَلِكَ جَازَ كَمَا جَازَ فِي الْأَجْنَبِيِّ. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا أَخَذْت الْحَائِطَ مُسَاقَاةً، فَلَمْ أَعْمَلْ فِيهِ وَلَمْ أَقْبِضْهُ مَنْ رَبِّهِ، إلَّا أَنَّا قَدْ فَرَغْنَا مِنْ شَرْطِنَا. أَيَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ؟ قَالَ: هُوَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ، إذَا عَقَدَا ذَلِكَ بِالْقَوْلِ مِنْهُمَا فَقَدْ لَزِمَهُمَا ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَاَلَّذِي أَخْبَرْتُكَ مِنْ الْمُسَاقِي وَرَبِّ الْحَائِطِ إذَا تَتَارَكَا بِغَيْرِ جُعْلٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنْ طَعَنَ فِيهِ طَاعِنٌ فَقَالَ: هَذَا بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، فَإِنَّ الْحُجَّةَ عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ، أَنَّ الْعَامِلَ فِي النَّخْلِ لَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يَدْفَعَ النَّخْلَ إلَى غَيْرِهِ مُعَامَلَةً، فَإِذَا كَانَ لَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يَدْفَعَ النَّخْلَ مُعَامَلَةً إلَى غَيْرِهِ، فَهُوَ إذًا تَارِكُ النَّخْلِ. فَكَأَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى رَبِّ النَّخْلِ مُعَامَلَةً بِاَلَّذِي أَخَذَهُ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَهُوَ فِيمَا بَلَغَنِي قَوْلُ مَالِكٍ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَخَذْت زَرْعًا مُسَاقَاةً، أَوْ شَجَرًا، فَأَرَدْنَا أَنْ نَبِيعَ الزَّرْعَ جَمِيعًا - أَنَا وَرَبُّ الْحَائِطِ - قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مِمَّنْ يَحْصُدُهُ قَصِيلًا، أَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَبِيعَ ثَمَرَةَ النَّخْلِ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ، اجْتَمَعْنَا أَنَا وَرَبُّ الْحَائِطِ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ: مَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا وَمَا أَرَى فِيهِ مَغْمَرًا وَمَا سَمِعْتُ فِيهِ شَيْئًا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَى رَجُلٌ مِنِّي دَارًا، أَوْ أَخَذَ حَائِطِي مُسَاقَاةً، فَإِذَا هُوَ سَارِقٌ مُبَرِّحٌ أَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ بِثَمَرَةِ حَائِطِي، أَوْ يُقَطِّعَ جُذُوعِي أَوْ يُخَرِّبَ دَارِي أَوْ يَبِيعَ أَبْوَابَهَا أَيَكُونُ لِي أَنْ أُخْرِجَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا. وَأَرَى الْمُسَاقَاةَ وَالْكِرَاءَ لَازِمًا لَهُ، وَلْيَحْتَفِظْ مِنْهُ إنْ خَافَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ. قَالَ: وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ السِّلْعَةَ مِنْ الرَّجُلِ إلَى أَجَلٍ، وَهُوَ مُفْلِسٌ وَلَا يَعْلَمُ الْبَائِعُ بِذَلِكَ: إنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ لَهُ. فَهَذَا وَذَلِكَ عِنْدِي سَوَاءٌ.

[الْإِقَالَةُ فِي الْمُسَاقَاةِ]

ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَخَذْت مِنْ رَجُلٍ نَخْلًا مُعَامَلَةً، فَنَدِمَ فَسَأَلَنِي أَنْ أُقِيلَهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ الْعَمَلِ، فَأَبَيْتُ أَنْ أُقِيلَهُ، فَقَالَ: أَنَا أُعْطِيَك مِائَةَ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تُقِيلَنِي فَأَقَلْته، أَيَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ، لَا قَبْلَ أَنْ تَعْمَلَ وَلَا بَعْدَ مَا عَمِلْتَ. قُلْتُ: وَلِمَ كَرِهَهُ مَالِكٌ؟ قَالَ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ، إنْ تَمَّ ثَمَرَةُ النَّخْلِ ذَلِكَ الْعَامَ فَقَدْ بَاعَ هَذَا هَذِهِ الثَّمَرَةَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ فَقَدْ أَخَذْتَ مَالَ رَبِّ الْحَائِطِ بَاطِلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>