ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى هَذِهِ الْآيَةِ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] سُورَةُ الْمَائِدَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ الَّذِي تَرَكَهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَهُوَ الَّذِي آخُذُ بِهِ أَنَّهُ تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى.
قُلْت: فَإِنْ سَرَقَ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ شَلَلٌ قَالَ: يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ وَلَا يُقْطَعُ مِنْهُ شَيْءٌ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يُقْطَعُ شَيْءٌ مِنْ الشُّلَلِ.
قُلْت: فَإِنْ سَرَقَ وَإِصْبَعُهُ الْيُمْنَى، الْإِبْهَامُ ذَاهِبَةٌ، أَوْ إصْبَعَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْ جَمِيعُ أَصَابِعِ كَفِّهِ الْيُمْنَى ذَاهِبَةٌ، أَيُقْطَعُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ كَفُّهُ أَوْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى؟ قَالَ: أَمَّا الْإِصْبَعُ إذَا ذَهَبَ فَأَرَى أَنْ يُقْطَعَ، لِأَنِّي سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَقْطَعُ يَدَ الرَّجُلِ الْيُمْنَى، وَإِبْهَامُ يَدِهِ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةٌ. قَالَ: لَا أَرَى أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَالْإِصْبَعُ يَسِيرَةٌ، فَأَرَى أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ عَلَى مَا قَالَ مَالِكٌ؟
قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا إصْبَعٌ أَوْ إصْبَعَانِ لَمْ أَرَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا إصْبَعٌ أَوْ إصْبَعَانِ فَهُوَ مِثْلُ الْأَشَلِّ، فَتُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى إذَا كَانَ أَشَلَّ الْيَدَيْنِ بِحَالِ مَا وَصَفْت لَك.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ أَصَابِعُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِحَالِ مَا وَصَفْت لَك لَمْ تُقْطَعْ وَضُرِبَ وَسُجِنَ وَضَمِنَ السَّرِقَةَ؟ قَالَ: مِثْلُ الْأَشَلِّ الْيَدَيْنِ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ سَرَقَ فَحَبَسَهُ الْقَاضِي لِيَقْطَعَ يَدَهُ بَعْدَمَا زُكِّيَتْ الْبَيِّنَةُ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ السِّجْنِ فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُنَكَّلُ الَّذِي قَطَعَ يَدَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى السَّارِقِ وَلَا عَلَى الْقَاطِعِ إلَّا أَنَّ السُّلْطَانَ يُؤَدِّبُهُ فِيمَا صَنَعَ.
قُلْت: فَإِنْ سَجَنَهُ الْقَاضِي، وَقَدْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِسَرِقَةٍ وَلَمْ تُزَكِّ الْبَيِّنَةُ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ وَاثِبٌ فِي السِّجْنِ فَقَطَعَ يَدَهُ، أَيَقْطَعُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَكْشِفُ عَنْ شَهَادَةِ هَؤُلَاءِ الشُّهُودِ، فَإِنْ زُكُّوا دَرَأَ عَنْ الْقَاطِعِ الْقِصَاصَ وَأَدَّبَهُ وَلَمْ يَقْطَعْ مِنْ السَّارِقِ شَيْئًا لِأَنَّهُ قَدْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَإِنْ لَمْ تُزَكَّ الْبَيِّنَةُ وَبَطَلَتْ أَمْكَنْته مِنْ الْقِصَاصِ مِنْ صَاحِبِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَمَرَ الْقَاضِي بِقَطْعِ يَمِينِهِ فَأَخْطَأَ الْقَاطِعُ فَقَطَعَ شِمَالَهُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُجْزِئُهُ وَلَا تُقْطَعُ يَمِينُهُ، وَكَذَلِكَ بَلَغَنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قُلْت: فَهَلْ يَكُونُ عَلَى الْقَاطِعِ شَيْءٌ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَلَا أَرَى عَلَى الْقَاطِعِ شَيْئًا وَلَوْ كَانَ يَكُونُ عَلَى الْقَاطِعِ عَقْلُ السَّارِقِ لَقُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ الْيُمْنَى بِسَرِقَتِهِ.
[بَابُ رَدِّ السَّارِقِ السَّرِقَةَ وَتَرْكِهِ ثُمَّ رَفْعِهِ بَعْدَ ذَلِكَ]
َ قُلْت: أَرَأَيْت إنْ سَرَقَ فَأَخَذَهُ أَرْبَابُ السَّرِقَةِ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ سَرِقَتَهُمْ فَتَرَكُوهُ، ثُمَّ رَفَعَهُ قَوْمٌ أَجْنَبِيُّونَ أَوْ هُمْ إلَى السُّلْطَانِ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ وَقَدْ رَدَّ السَّرِقَةَ؟ قَالَ: يُقْطَعُ، وَقَدْ أَخْبَرْتُك أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الَّذِي يَعْفُو عَنْهُ أَوْلِيَاءُ الْمَتَاعِ عِنْدَ الْقَاضِي ثُمَّ يَرْفَعُهُ أَجْنَبِيٌّ، أَنَّهُ يُقْطَعُ فَهَذَا مِثْلُ ذَلِكَ قُلْت: فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ رَدَّ الْمَتَاعَ وَهَذَا رَدَّ