للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ هُوَ ضَامِنٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ بِبَيِّنَةٍ وَزَعَمَ الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّهُ قَدْ رَدَّ الْمَالَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ، فَالْجُحُودُ أَبْيَنُ عِنْدِي فِي الضَّمَانِ.

[الدَّعْوَى فِي الْوَدِيعَةِ]

ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهَا وَدِيعَةٌ وَقَدْ ضَاعَتْ وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ قَرْضٌ وَأَنَّهُ سَلَفٌ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ اسْتَوْدَعْتنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَضَاعَتْ مِنِّي، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: بَلْ أَقْرَضْتُكَهَا قَرْضًا؟

قَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ.

قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لَمْ أَسْتَوْدِعْكَهَا وَلَكِنَّكَ غَصَبْتَنِيهَا؟

قَالَ: الْغَصْبُ عِنْدِي لَا يُشْبِهُ الْقَرْضَ لِأَنَّ الْغَصْبَ مِنْ وَجْهِ التَّلَصُّصِ. قَالَ: وَهَذَا يَدَّعِي عَلَيْهِ فِي الْغَصْبِ بَابُ فُجُورٍ، فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ.

قُلْتُ: أَفَلَا يُصَدِّقُهُ فِي ضَمَانِ الْمَالِ؟

قَالَ: لَا إذَا قَالَ غَصَبْتَنِي، لِأَنِّي إذَا أَبْطَلْتُ قَوْلَهُ فِي بَعْضٍ أُبْطِلُهُ فِي كُلِّهِ.

قُلْتُ: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟

قَالَ: لَا.

قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ: اسْتَوْدَعَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَضَاعَتْ مِنِّي، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَلْ أَوْفَيْتُكَهَا مِنْ قَرْضٍ كَانَ لَك عَلَيَّ؟

قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ فِي رَأْيِي.

قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لَمْ أَسْتَوْدِعْك وَلَكِنِّي رَدَدْتُهَا عَلَيْكَ مِنْ مَالِ الْمُقَارَضَةِ الَّتِي كَانَتْ لَك عِنْدِي؟

قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: لَمْ أَسْتَوْدِعْك وَلَكِنَّك سَرَقْتَهَا؟

قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ أَنَّهُ سَرَقَهَا، لِأَنَّ فِي هَذَا بَابُ فُجُورٍ يَرْمِيهِ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ لِي عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ قَرْضٍ. وَلِي عِنْدَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً، فَأَعْطَانِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ بَعَثَ بِهَا لِي، ثُمَّ لَقِيَنِي بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: الْأَلْفُ الَّتِي بَعَثْتُ بِهَا إلَيْك هِيَ السَّلَفُ الَّذِي كَانَ لَكَ عَلِيّ وَقَدْ ضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: بَلْ إنَّمَا بَعَثْتُ إلَيَّ الْوَدِيعَةِ الَّتِي كَانَتْ لِي عِنْدِكَ، وَالسَّلَفُ لِي عَلَيْكَ عَلَى حَالِهِ؟

قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُصَدَّقٌ فِي ذَهَابِ الْوَدِيعَةِ وَهُوَ يَقُولُ: قَدْ ذَهَبَتْ الْوَدِيعَةُ عِنْدِي وَلَمْ أَبْعَثْ بِهَا إلَيْكَ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ. فَالْأَلْفُ الَّتِي قَبَضَهَا رَبُّ الْمَالِ تَصِيرُ هِيَ الدَّيْنُ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ.

[فِيمَنْ اسْتَوْدَعَ صَبِيًّا وَدِيعَةً فَضَاعَتْ]

ْ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اسْتَوْدَعَ صَبِيًّا صَغِيرًا وَدِيعَةً فَضَاعَتْ، أَيَضْمَنُ الصَّبِيُّ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا يَضْمَنُ قُلْتُ: بِأَمْرِ أَرْبَابِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِ أَرْبَابِهِ. قَالَ: ذَلِكَ سَوَاءٌ عِنْدِي. قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ الصَّبِيَّ السِّلْعَةَ فَيُتْلِفُهَا الصَّبِيُّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ، وَلَا يَضْمَنُ لَهُ الصَّبِيُّ قِيمَةَ السِّلْعَةِ. وَإِنْ بَاعَ الصَّبِيُّ مِنْهُ سِلْعَةً فَأَخَذَ الصَّبِيُّ مِنْهُ الثَّمَنَ فَأَتْلَفَهُ، إنَّ الرَّجُلَ ضَامِنٌ لِلسِّلْعَةِ وَلَا يَضْمَنُ الصَّبِيُّ الثَّمَنَ الَّذِي أَتْلَفَ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَلَّطَ الصَّبِيَّ عَلَى ذَلِكَ وَأَتْلَفَ مَالَهُ، فَكَذَلِكَ الْوَدِيعَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>