للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَا جَاءَ فِي الْمُسَاقَاةِ الَّتِي لَا تَجُوزُ]

ُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمُسَاقِيَ إذَا اشْتَرَطَ عَلَى رَبِّ النَّخْلِ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ فِيهِ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا. وَأَرَى أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَدْ أَجَازَ - فِيمَا بَلَغَنِي - الدَّابَّةَ يَشْتَرِطُهَا يَعْمَلُ عَلَيْهَا وَالْغُلَامَ يَشْتَرِطُهُ يَعْمَلُ مَعَهُ، إذَا كَانَ لَا يَزُولُ، وَإِنْ مَاتَ أَخْلَفَهُ لَهُ. قَالَ: وَلَقَدْ جَاءَهُ قَوْمٌ قَدْ سَاقَوْا رَجُلًا - وَفِي النَّخْلِ ثَمَرَةٌ قَدْ طَابَتْ - فَسَاقَوْهُ هَذِهِ السَّنَةَ وَسَنَتَيْنِ فِيمَا بَعْدَهَا، فَعَمِلَ فَقَالَ مَالِكٌ: أَرَى لِلْعَامِلِ فِي الثَّمَرَةِ الْأُولَى: أَنْ يُعْطَى مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَإِجَارَةَ عَمَلِهِ، وَيَكُونُ فِي السَّنَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ عَلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا عِنْدِي مُخَالِفٌ لِلْقِرَاضِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَمَلَ وَالنَّفَقَةَ وَالْمُؤْنَةَ كُلَّهَا عَلَى الْعَامِلِ؟ وَإِنَّمَا رَبُّ الْحَائِطِ عَامِلٌ مَعَهُ بِبَدَنِهِ، بِمَنْزِلَةِ الدَّابَّةِ يَشْتَرِطُهَا عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ. فَهَذَا الَّذِي سَهَّلَ مَالِكٌ فِيهِ، فَأَرَى هَذَا مِثْلَهُ وَيَكُونُ عَلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَدْرَكَ هَذَا الَّذِي سَاقَاهُ وَفِي النَّخْلِ ثَمَرَةٌ قَدْ طَابَتْ، فَأَخَذَهَا الْعَامِلُ مُسَاقَاةً ثَلَاثَ سِنِينَ، إنْ أَدْرَكَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ الْعَامِلُ فِي الْحَائِطِ، أَنَفْسَخُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: أَرَى أَنْ يُفْسَخَ إذَا أَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ الْعَامِلُ فِي الْحَائِطِ، أَوْ بَعْدَ مَا جَذَّ الثَّمَرَةَ؛ لِأَنَّهُ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ لَهُ نَفَقَتُهُ الَّتِي أَنْفَقَ، وَعَمَلُ مِثْلِهِ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ. قَالَ: فَإِنْ عَمِلَ فِي النَّخْلِ بَعْدَ مَا جُذَّتْ الثَّمَرَةُ، لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا إنَّمَا رَدَّهُ إلَى عَمَلِ مِثْلِهِ بَعْدَ أَنْ عَمِلَ سَنَةً. قَالَ: وَأَرَى أَنْ يُكْمِلَ لَهُ مَا بَقِيَ مِمَّا لَمْ يَعْمَلْهُ، حَتَّى يَسْتَكْمِلَ السَّنَتَيْنِ، فَهُوَ عِنْدِي: إذَا عَمِلَ بَعْدَ مَا جَذَّ الثَّمَرَةَ فِي النَّخْلِ، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُخْرِجُوهُ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ السَّنَتَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَمِلَ فِي الْحَائِطِ؛ لِأَنَّ النَّخْلَ قَدْ تُخْطِئُ فِي الْعَامِ وَتُطْعِمُ فِي الْآخَرِ. فَإِنْ أَخَذَهُ فِي أَوَّلِ عَامٍ، وَلَمْ تَحْمِلْ النَّخْلُ شَيْئًا، كُنْت قَدْ ظَلَمْته. وَإِنْ كَثُرَ حَمْلُهَا فِي أَوَّلِ عَامٍ، وَأَخْطَأَتْ فِي الْعَامِّ الثَّانِي بَعْدَ مَا نَزَعْتهَا مِنْ الْعَامِلِ، كُنْت قَدْ ظَلَمْت صَاحِبَهَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ الْقِرَاضُ إذَا قَارَضَهُ بِعَرَضٍ: أَنَّهُ إنْ أَدْرَكَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ بَعْدَ مَا بَاعَ الْعَرَضَ، فُسِخَ الْقِرَاضُ بَيْنَهُمَا وَكَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا بَاعَ. وَإِنْ عَمِلَ، كَانَ عَلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ، وَكَانَ لَهُ فِيمَا بَاعَ أَجْرُ مِثْلِهِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَخَذْت نَخْلًا مُعَامَلَةً، عَلَى أَنْ أَبْنِيَ حَوْلَ النَّخْلِ حَائِطًا، أَوْ أَزْرُبَ حَوْلَ النَّخْلِ زَرْبًا، أَوْ أَخْرِقَ فِي النَّخْلِ مَجْرًى لِلْعَيْنِ، أَوْ أَحْفِرَ فِي النَّخْلِ بِئْرًا؟ قَالَ: لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْمُسَاقَاةُ عِنْدَ مَالِكٍ.

قُلْتُ: فَإِنْ وَقَعَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى مِثْلِ هَذَا، أَتَجْعَلُ الْعَامِلَ أَجِيرًا، أَمْ تَرُدَّهُ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ؟ قَالَ: أَنْظُرُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ إنَّمَا اشْتَرَطَ رَبُّ الْمَالِ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ازْدَادَهُ بِالْكِفَايَةِ حَطَّ عَنْهُ بِهِ مُؤْنَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ الَّذِي اشْتَرَطَ رَبُّ الْمَالِ قَدْرُهُ يَسِيرًا، مِثْلُ: خَمِّ الْعَيْنِ، وَسَرْوِ الشِّرْبِ، وَسَدِّ الْخِطَارِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>