مِنْ إحْدَى الدَّارَيْنِ الَّتِي هِيَ جُلُّ مَا اشْتَرَى، وَلَهَا اشْتَرَى الدَّارَ الْأُخْرَى وَفِيهَا الْفَضْلُ جُلِّهَا أَوْ مَا فِيهِ الضَّرَرُ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الدَّارَيْنِ جَمِيعًا، يَرُدُّ جَمِيعَ بَيْعِهِ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ مِنْهَا شَيْئًا يَسِيرًا تَافِهًا لَا ضَرَرَ فِيهِ، رَدَّ الَّذِي اُسْتُحِقَّ مِنْهَا وَيَرْجِعُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بَقِيَّةَ الدَّارِ وَلَا الدَّارَ الْأُخْرَى، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَيْت دَارًا وَشَفِيعُهَا حَاضِرٌ، فَغَابَ الشَّفِيعُ فَأَقَامَ فِي غَيْبَتِهِ سِنِينَ عَشْرًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَدِمَ يَطْلُبُ الشُّفْعَةَ، أَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ؟
قَالَ: إنْ كَانَ خُرُوجُهُ فِي غَيْبَتِهِ بِحَدَثَانِ اشْتِرَائِهِ وَفِيمَا لَوْ قَامَ كَانَتْ لَهُ فِيهِ شُفْعَةٌ نُظِرَ فَإِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ غَيْبَةً قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي إلَّا فِي مِثْلِ مَا تَنْقَطِعُ فِيهِ الشُّفْعَةُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ سَفَرًا يَرْجِعُ فِي مِثْلِهِ فَيُدْرِكُ فِيهِ شُفْعَتَهُ، فَحَبَسَهُ أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يُعْذَرُ بِذَلِكَ، رَأَيْتَهُ عَلَى شُفْعَتِهِ وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ تَارِكًا لِشُفْعَتِهِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا تَنْقَطِعُ شُفْعَةُ الْغَائِبِ لِغَيْبَتِهِ. قَالَ: وَهَذَا يَقُولُ إنَّمَا خَرَجْتُ لِسَفَرِي وَلَمْ تَنْقَطِعْ شُفْعَتِي فِي الْأَيَّامِ الَّتِي خَرَجْتُ فِيهَا، وَخَرَجْتُ وَأَنَا أَرْجُو أَنْ أَرْجِعَ وَخَرَجْتُ وَلَسْتُ تَارِكًا لِشُفْعَتِي وَأَنَا فِي مَغِيبِي عَلَى شُفْعَتِي، فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ شُفْعَتَهُ لَمْ تَنْقَطِعْ عِنْدَنَا إلَى الْيَوْمِ الَّذِي طَلَبَ فِيهِ عَلَى حَالٍ مِنْ الْحَالِ.
قُلْتُ: وَلَا نُبَالِي أَشْهَدَ حِينَ خَرَجَ فِي سَفَرِهِ أَنَّهُ عَلَى شُفْعَتِهِ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ، هُوَ عِنْدَك سَوَاءٌ وَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ سَوَاءٌ.
[فِيمَنْ ادَّعَى فِي دَارٍ فَصُولِحَ عَلَى دَرَاهِمَ وَلَمْ يُسَمِّ الدَّعْوَى كَمْ هِيَ]
َ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ ادَّعَيْت فِي دَارٍ دَعْوَى، فَصَالَحَنِي الَّذِي ادَّعَيْت فِي دَارِهِ هَذِهِ الدَّعْوَى عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا إلَيَّ وَلَمْ أُسَمِّ دَعْوَايَ مَا هِيَ لَا ثُلُثًا وَلَا رُبُعًا لَا نِصْفًا، أَيَجُوزُ هَذَا الصُّلْحُ وَتَكُونُ فِي الدَّارِ الشُّفْعَةُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَدْ جَعَلَ الصُّلْحَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ، فَلَا يَجُوزُ فِيهِ لِمَجْهُولٍ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ الْمَجْهُولِ إذَا كَانَ يَعْرِفُ مَا يَدَّعِي مِنْ الدَّارِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُسَمِّيَهُ ثُمَّ يَصْطَلِحَانِ بَعْدَ تَسْمِيَةِ ذَلِكَ عَلَى مَا أَحَبَّا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا فَالصُّلْحُ فَاسِدٌ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ إلَّا أَنْ يَكُونَا لَا يَعْرِفَانِ ذَلِكَ فَيَجُوزُ الصُّلْحُ. قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَهْلَكُ وَيَتْرُكُ دُورًا وَرَقِيقًا وَمَاشِيَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْعُرُوضِ، فَيُرِيدُ وَرَثَتُهُ أَنْ يُصَالِحُوا الْمَرْأَةَ عَلَى مِيرَاثِهَا مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ قَدْ عَرَفَتْهُ الْمَرْأَةُ وَعَرَفَهُ الْوَرَثَةُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا لَا يُعْرَفُ فَالصُّلْحُ فِيهِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الصُّلْحِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إلَّا مَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute