يُخْلَطَ بِهِ كُلَّمَا كَانَ نَبِيذًا أَوْ كَانَ شَرَابًا يُنْبَذُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَبِيذًا. وَأَمَّا الْمَاءُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيذٍ، وَلَكِنْ بِهِ يُنْبَذُ وَإِنَّمَا النَّبِيذُ غَيْرُ الْمَاءِ وَبِالْمَاءِ يَكُونُ، وَلَا بَأْسَ بِالْمَاءِ بِأَنْ يَخْلِطَهُ بِشَرَابِهِ فَيَشْرَبَهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ خَلَطَ عَسَلًا بِنَبِيذٍ، أَيَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَشْرَبَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَشْرَبَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، لِأَنَّ الْعَسَلَ هُوَ نَبِيذٌ وَهُوَ شَرَابٌ قَبْلَ أَنْ يُنْبَذَ وَلَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ، لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُنْبَذُ كَمَا يُنْبَذُ الْعَسَلُ، وَقَدْ وَصَفْتُ لَكَ ذَلِكَ.
قُلْتُ: أَفَيُؤْكَلُ الْخُبْزُ بِالنَّبِيذِ؟ قَالَ: نَعَمْ، لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْخُبْزَ لَيْسَ بِشَرَابٍ.
قُلْتُ: أَيَنْقَعُهُ فِي نَبِيذِهِ وَيَدَعُهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَيَشْرَبُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْكَرَ؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ عَنْ الْجَذِيذَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا أَنَّ مَالِكًا كَرِهَهَا فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ، فَهَذَا يُشْبِهُ مَا وَصَفْتُ لَك مِنْ قَوْلِهِ فِي الْجَذِيذَةِ فِي أَوَّلِ قَوْلِهِ وَفِي آخِرِهِ.
قُلْتُ: لِمَ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ أَوْ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ أَوْ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ فِي الِانْتِبَاذِ؟ قَالَ: لِلْأَثَرِ الَّذِي جَاءَ.
قُلْتُ: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ الْمُذَنَّبُ الَّذِي قَدْ أُرْطِبَ بَعْضُهُ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ إلَّا الْحَدِيثَ. «نَهَى أَنْ يُنْبَذَ الزَّهْوُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا» وَلَا يُعْجِبُنِي إلَّا أَنْ يَكُونَ بُسْرًا كُلُّهُ أَوْ رُطَبًا كُلُّهُ
[طَبْخُ الزَّبِيبِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الزَّبِيبَ، أَكَانَ مَالِكٌ يُوَسِّعُ فِي أَنْ يُنْبَذَ نَقِيعًا وَلَا يَطْبُخُهُ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِي مَطْبُوخِ الزَّبِيبِ وَلَا نَقِيعِهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّ نَبِيذَ الزَّبِيبِ، وَغَيْرَهُ حَلَالٌ عِنْدَهُ مَا لَمْ يُسْكِرْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الزَّبِيبَ إذَا كَانَ نَقِيعًا فِعْلًا أَمَا تَخَافُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ الْخَمْرِ؟
قَالَ: قَالَ لَنَا مَالِكٌ فِي عَصِيرِ الْعِنَبِ: إنَّهُ يُشْرَبُ مَا لَمْ يُسْكِرْ. قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: مَا حَدُّهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: حَدُّهُ إذَا لَمْ يُسْكِرْ. قَالَ: فَأَرَى الزَّبِيبَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ أَنَّهُ يُشْرَبُ مَا لَمْ يُسْكِرْ وَإِنْ غَلَا.
قُلْتُ: فَالْعَصِيرُ، أَيَشْرَبُهُ إذَا غَلَا وَإِنْ كَانَ لَا يُسْكِرُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: حَدُّهُ مَا لَمْ يُسْكِرْ، وَلَمْ أَرَ حَدَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ الْغَلَيَانُ وَلَمْ يَقُلْ لِي مَالِكٌ فِي الْعَصِيرِ. غَلَا أَوْ لَمْ يَغْلِ، إنَّمَا قَالَ لَنَا: حَدُّهُ مَا لَمْ يُسْكِرْ. فَهُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ نَبِيذِ التَّمْرِ. وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ نَبِيذٌ كُلُّهُ، الْعَصِيرُ وَنَبِيذُ التَّمْرِ وَجَمِيعُ الْأَنْبِذَةِ حَلَالٌ مَا لَمْ يُسْكِرْ، فَإِذَا أَسْكَرَتْ فَهِيَ خَمْرٌ كُلُّهَا. فَالْعَصِيرُ وَجَمِيعُ الْأَنْبِذَةِ سَوَاءٌ لَيْسَ تَحْرُمُ بِغَلَيَانِهَا إنَّمَا تَحْرُمُ إذَا كَانَ يُسْكِرُ لِأَنَّ الْعَصِيرَ حَلَالٌ عِنْدَ مَالِكٍ حَتَّى يُسْكِرَ، وَالنَّبِيذُ حَلَالٌ عِنْدَ مَالِكٍ حَتَّى يُسْكِرَ، فَإِذَا أَسْكَرَا كَانَا حَرَامًا، وَهُمَا قَبْلَ أَنْ يُسْكِرَا سَبِيلُهُمَا وَاحِدٌ لَا يَحْرُمَانِ بِالْغَلَيَانِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمَانِ إذَا خَرَجَا إلَى مَا يُسْكِرُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الظُّرُوفَ، هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يُنْبَذَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا؟ قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْهَا فَقَالَ: الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَنَا وَاَلَّذِي آخُذُ بِهِ، أَنَّ الدُّبَّاءَ وَالْمُزَفَّتَ لَا يَصْلُحُ النَّبِيذُ فِيهِمَا وَلَا يُنْبَذُ فِيهِمَا.
قُلْتُ: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ مِنْ الْفَخَّارِ شَيْئًا غَيْرَ الْمُزَفَّتِ؟
قَالَ: لَا، إنَّمَا كَانَ يَكْرَهُ الدُّبَّاءَ وَالْمُزَفَّتَ.
قُلْتُ: وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ مُزَفَّتَ الدُّبَّاءِ وَغَيْرَ