للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ الْعَمَلَ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ، وَالْبَذْرُ مِنْ عِنْدَهُمَا كَذَلِكَ عَلَى الثُّلُثَيْنِ وَالثُّلُث، أَيَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا تَكَافَئَا عَلَى ذَلِكَ.

وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ يُعْطِي الرَّجُلَ الْأَرْضَ يَزْرَعُهَا، وَيُعْطِي مِنْ الْبَذْرِ لِلْعَامِلِ مِثْلَ مَا يُخْرِجُ هُوَ لِزِرَاعَتِهَا عَلَى نِصْفَيْنِ، يُعْطِيهِ أَرْضَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ أَرْضٌ مَأْمُونَةٌ لَا يَكَادُ يُخْطِئُهَا عَامٌ، فِي أَنْ تُرْوَى مِنْ الْمَاءِ - فَيَعْمَلُ الْعَامِلُ فِيهَا مِنْ سَنَتِهِ - وَإِنَّمَا هِيَ أَرْضٌ تُحْرَثُ الْآنَ لِيُكْرِمَهَا بِالْحَرْثِ وَيَتْرُكَهَا، فَإِذَا كَانَ قَابِلًا إذَا احْتَاجَ إلَى زِرَاعَتهَا زَرَعَهَا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَتْ أَرْضًا مَأْمُونَةً لَا يُخْطِئُهَا أَنْ تُرْوَى فِي كُلِّ عَامٍ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ. فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ، فَلَا خَيْرَ فِيهِ، لِأَنَّهُ حِينَ حَرَثَ الْأَرْضَ، كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ قَدْ انْتَفَعَ بِحَرْثِ الْعَامِلِ فِيهَا بِحَرْثِهِ إيَّاهَا، وَبِكَرَمِهِ لَهَا بِالْحَرْثِ بِمَا يَرْجُو مِنْ زِرَاعَتِهَا. فَحِينَ حَرَثَهَا وَتَأَخَّرَ الْمَطَرُ عَنْهَا وَلَمْ تُرْوَ انْفَسَخَ الْعَمَلُ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَصَارَ هَذَا قَدْ انْتَفَعَ بِعَمَلِ صَاحِبِهِ فِيهَا.

فَلَا أُحِبُّهُ أَنَا، وَأَكْرَهُهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً، وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَعَجَّلَ النَّقْدَ فِي بَيْعٍ بَاعَهُ أَوْ كِرَاءٍ أَكْرَاهُ، مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهِ تَعْجِيلُ النَّقْدِ، فَيَكُونُ مِنْ تَعَجُّلِ النَّقْدِ، أَنَّهُ قَدْ انْتَفَعَ بِمَا وَصَلَ إلَيْهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ أَوْصَلَهُ إلَى صَاحِبِهِ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ، اشْتَرَكُوا فِي زَرْعٍ، فَأَخْرَجَ أَحَدُهُمْ الْأَرْضَ، وَالْآخَرُ الْبَقَرَ، وَالْآخَرُ الْعَمَلَ، وَالْبَذْرُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا؟ قَالَ: هَذَا جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ، إذَا تَكَافَئُوا فِي الْعَمَلِ وَكَانَ الْبَذْرُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ عِنْدِ رَجُلَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ، وَمِنْ عِنْدِ الْآخَرِ الْأَرْضُ وَجَمِيعُ الْعَمَلِ؟ قَالَ: لَا خَيْرَ فِي هَذَا. قُلْتُ: فَلِمَنْ الزَّرْعُ؟ قَالَ: لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَيُعْطِي هَذَانِ بَذْرَهُمَا. قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: هَذَا رَأْيِي. وَقَالَ ابْنُ غَانِمٍ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: يَكُونُ الزَّرْعُ لِصَاحِبَيْ الزَّرِيعَةِ، وَيَكُونُ عَلَيْهِمَا كِرَاءُ الْأَرْضِ، وَكِرَاءُ عَمَلِ الْعَامِلِ بِمَنْزِلَةِ الْقِرَاضِ، إذَا كَانَ الْعَمَلُ فِيهِ فَاسِدًا، فَيَكُونُ النَّمَاءُ وَالرِّبْحُ لِلْمَالِ، وَيَكُونُ لِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ، لِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يُؤَاجِرُ فَالرِّبْحُ لَهُ، وَالنَّمَاءُ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ. وَلِمَا يُؤَاجِرُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذُكِرَ نَحْوُ هَذَا عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الزَّرْعُ لِصَاحِبِ الزَّرِيعَةِ وَلِلْآخَرَيْنِ أَجْرُ مِثْلِهِمْ» قَالَ سَحْنُونٌ: وَذَكَرَ ابْنُ غَانِمٍ عَنْ مَالِكٍ مِثْلَ هَذَا، وَهُوَ عِنْدِي أَعْدَلُ وَبِهِ أَقُولُ أَنَا.

[فِي الشَّرِكَةِ بِالْعُرُوضِ]

ِ قُلْتُ: هَلْ تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالْعُرُوضِ، يَكُونُ عِنْدِي ثِيَابٌ وَعِنْدَ صَاحِبِي حِنْطَةٌ أَوْ دَوَابُّ، فَاشْتَرَكْنَا فِي ذَلِكَ، أَتَجُوزُ الشَّرِكَة فِيمَا بَيْنَنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ عِنْدِي، إذَا اشْتَرَكَا عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ سِلْعَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَكُونُ الْعَمَلُ عَلَى كُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمَا بِقَدْرِ رَأْسِ مَالِهِ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>