للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ دِيَتَانِ وَدِيَةُ الْمُوضِحَةِ أَيْضًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَدْ صَارَتْ جِنَايَتُهُ فِي هَذِهِ الضَّرْبَةِ الْوَاحِدَةِ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، فَالْعَاقِلَةُ تَحْمِلُ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَشَجَّهُ مَأْمُومَةً وَمُوضِحَةً، أَنَّ عَقْلَ الْمُوضِحَةِ وَالْمَأْمُومَةِ جَمِيعًا عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ هَذَا قَدْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ.

قُلْتُ: فَإِنْ ضَرَبَهُ عَمْدًا فَشَجَّهُ مَأْمُومَةً وَمُوضِحَةً فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ ضَرَبَهُ عَمْدًا فَشَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَ مِنْهَا سَمْعُهُ وَعَقْلُهُ، كَيْفَ يَكُونُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً وَمَأْمُومَةً فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ عَمْدًا اقْتَصَّ مِنْ الْمُوضِحَةِ وَعَقَلَتْ الْعَاقِلَةُ الْمَأْمُومَةَ، وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَشَجَّهُ مُوضِحَةً فَأَذْهَبَ سَمْعَهُ وَعَقْلَهُ فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ بِالْمَضْرُوبِ، فَإِذَا بَرِئَ وَجَبَ عَلَى الضَّارِبِ الْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَةِ وَيُنْتَظَرُ بِهِ إذَا اُقْتُصَّ مِنْهُ حَتَّى يَنْظُرَ هَلْ يَذْهَبُ مِنْهَا عَقْلُهُ وَسَمْعُهُ، فَإِنْ بَرَأَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ وَلَمْ يَذْهَبْ سَمْعُهُ وَعَقْلُهُ مِنْ ذَلِكَ، كَانَ فِي مَالِهِ عَقْلُ سَمْعِ الْأَوَّلِ وَعَقْلِهِ.

قُلْتُ: وَيَجْتَمِعُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ قِصَاصٌ وَعَقْلٌ؟ وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الرَّجُلِ يَقْطَعُ أُصْبُعَهُ فَيَنِزَّا فِيهَا فَتُشَلُّ مِنْ ذَلِكَ يَدُهُ أَوْ أُصْبُعٌ أُخْرَى: إنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ لِلْأُصْبُعِ وَيُسْتَأْنَى بِالْمُقْتَصِّ مِنْهُ، فَإِنْ بَرَأَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ وَلَمْ تُشَلَّ يَدُهُ عُقِلَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ. وَقَالَ لِي مَالِكٌ: هَذَا أَمْرٌ قَدِيمٌ اخْتَلَفَ وَهَذَا الَّذِي اسْتَحْسَنْتُ وَهُوَ أَحَبُّ مَا فِيهِ إلَيَّ.

[الْعَيْنَيْنِ أَوْ الْأُذُنَيْنِ كَيْفَ يُعْرَفُ ذَهَابُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ مِنْهُمَا]

مَا جَاءَ فِي قِيَاسِ النُّقْصَانِ فِي بَصَرِ الْعَيْنِ وَسَمْعِ الْأُذُنِ

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْعَيْنَيْنِ أَوْ الْأُذُنَيْنِ، كَيْفَ يُعْرَفُ ذَهَابُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ مِنْهُمَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ فِي الْعَيْنِ إذَا أُصِيبَتْ فَنَقَصَ بَصَرُهَا، إنَّهُ تُغْلَقُ الصَّحِيحَةُ وَتُقَاسُ لَهُ الَّتِي أُصِيبَتْ بِأَمْكِنَةٍ تُخْتَبَرُ بِهَا، فَإِذَا اتَّفَقَ قَوْلُهُ فِي تِلْكَ الْأَمْكِنَةِ قِيسَتْ الصَّحِيحَةُ، ثُمَّ نُظِرَ: كَمْ انْتَقَصَتْ هَذِهِ الْمُصَابَةُ مِنْ الصَّحِيحَةِ فَيَعْقِلُ لَهُ قَدْرَ ذَلِكَ. قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: وَالسَّمْعُ كَذَلِكَ.

قُلْتُ: فَكَيْفَ يَقِيسُونَ بَصَرَهُ؟

قَالَ: سَمِعْتُ أَنَّهُ تُوضَعُ لَهُ الْبَيْضَةُ أَوْ الشَّيْءُ فِي مَكَان. فَإِنْ أَبْصَرَهَا حُوِّلَتْ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ ثُمَّ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، فَإِنْ كَانَ قِيَاسُ ذَلِكَ سَوَاءً أَوْ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا صَدَقَ، وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ.

قُلْتُ: فَالسَّمْعُ كَيْفَ يُقَاسُ؟

قَالَ: يُخْتَبَرُ بِالْأَمْكِنَةِ أَيْضًا حَتَّى يُعْرَفَ صِدْقُهُ مِنْ كَذِبِهِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ ضَرَبَهُ فَادَّعَى الْمَضْرُوبُ أَنَّ جَمِيعَ سَمْعِهِ ذَهَبَ، أَوْ قَالَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرِي وَلَا أُبْصِرُ شَيْئًا، يَتَصَامَمْ وَيَتَعَامَى: أَيُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: الظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ، فَأَرَى إذَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَضْرُوبِ مَعَ يَمِينِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>