للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَأْجَرَهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ آبِقٌ، فَأَتَى مَوْلَاهُ فَاسْتَحَقَّهُ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، لِأَنَّهُ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي عَبْدٍ اسْتَأْجَرَهُ رَجُلٌ فِي السُّوقِ يُبَلِّغُ لَهُ كِتَابًا إلَى بَعْضِ الْقُرَى، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَبْدٌ، فَعَطِبَ الْغُلَامُ فِي الطَّرِيقِ. فَقَالَ مَالِكٌ: أَرَاهُ ضَامِنًا. وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَك أَنَّهُ ضَامِنٌ، أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى سِلْعَةً فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَأَتْلَفَهَا هُوَ نَفْسُهُ ثُمَّ أَتَى رَبَّهَا، كَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَتْلَفَهَا. فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا عَطِبَ فِي عَمَلِهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي اشْتَرَى فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ.

قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنِّي أَخَذْت عَبْدًا آبِقًا فَاسْتَعْمَلْته أَوْ آجَرْته، أَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ عَلَيَّ قِيمَةِ مَا اسْتَعْمَلْته، أَوْ الْإِجَارَةُ الَّتِي آجَرْته بِهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، لِأَنَّ ضَمَانَهُ مِنْ سَيِّدِهِ. قُلْت: وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الرَّجُلُ يَغْصِبُ الدَّابَّةَ فَيَرْكَبُهَا وَقَدْ قُلْت فِيهَا إنَّ مَالِكًا قَالَ: لَيْسَ الْإِجَارَةُ عَلَى الْغَاصِبِ؟

قَالَ: لِأَنَّ ضَمَانَ هَذِهِ الدَّابَّةِ مِنْ الْغَاصِبِ يَوْمَ أَخَذَهَا، وَلَا تَلْزَمُ صَاحِبَهَا نَفَقَتُهَا. وَالْآبِقُ ضَمَانُهُ مِنْ سَيِّدِهِ يَوْمَ أَخَذَهُ هَذَا الَّذِي وَجَدَهُ وَنَفَقَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ، لِأَنَّ مَنْ وَجَدَ آبِقًا فَلَا يَضْمَنُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إذَا أَخَذَهُ. قُلْت: وَلَا تَرَى هَذَا الَّذِي أَخَذَ الْآبِقَ حِينَ اسْتَعْمَلَهُ ضَامِنًا لَهُ بِمَا اسْتَعْمَلَهُ؟

قَالَ: نَعَمْ، إذَا اسْتَعْمَلَهُ عَمَلًا يَعْطَبُ فِي مِثْلِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ إنْ عَطِبَ فِيهِ، وَإِنْ سَلِمَ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ ذَلِكَ الْعَمَلِ لِسَيِّدِهِ. قُلْت: وَلِمَ جَعَلْتَهُ ضَامِنًا ثُمَّ جَعَلْت عَلَيْهِ الْكِرَاءَ؟

قَالَ: لِأَنَّ أَصْلَ مَا أَخَذَ عَلَيْهِ لَمْ يَأْخُذْهُ عَلَى الضَّمَانِ، وَلِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي عَبْدِ رَجُلٍ أَتَاهُ رَجُلٌ فَاسْتَعْمَلَهُ عَمَلًا يَعْطَبُ فِي مِثْلِهِ فَعَطِبَ الْغُلَامُ: إنَّ الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ ضَامِنٌ، فَإِنْ سَلِمَ الْغُلَامُ فَلِمَوْلَاهُ قِيمَةُ الْعَمَلِ إنْ كَانَ عَمَلًا لَهُ، بَالٌ، فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى مَسْأَلَتِك. وَإِنَّمَا صَارَ هَهُنَا عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَمَلِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَاصِبٍ لِلْعَبْدِ إذَا سَلِمَ الْعَبْدُ مِنْ أَنْ يَعْطَبَ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ إنْ عَطِبَ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُك. وَاَلَّذِي غَصَبَ الدَّابَّةَ هُوَ ضَامِنٌ لَهَا اسْتَعْمَلَهَا أَوْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا - أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضْمَنُهَا إنْ مَاتَتْ، وَهَذَا الَّذِي وَجَدَ الْآبِقَ لَا يَضْمَنُهُ إنْ مَاتَ، فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ.

[فِي إبَاقِ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الرَّهْنِ]

ِ قُلْت: أَرَأَيْت الْمُكَاتَبَ إذَا أَبَقَ، أَيَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا لِكِتَابَتِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا لِكِتَابَتِهِ - فِي قَوْلِ مَالِكٍ - إلَّا أَنْ يَغِيبَ عَنْ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ فَيَرْفَعُهُ سَيِّدُهُ إلَى السُّلْطَانِ فَيَتَلَوَّمُ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِئْ عَجَّزَهُ، فَإِذَا عَجَّزَهُ السُّلْطَانُ كَانَ ذَلِكَ فَسْخًا لِكِتَابَتِهِ.

[مَا جَاءَ فِي عِتْقِ الْآبِقِ]

ِ قُلْت: أَرَأَيْت عَبْدًا آبِقًا أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ عَنْ ظِهَارِهِ، أَيُجْزِئُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: مَا سَمِعْت أَنَّ أَحَدًا يَقُولُ إنَّ الْآبِقَ يُجْزِئُ فِي الظِّهَارِ، أَلَا تَرَى أَنَّ سَيِّدَهُ لَا يَعْلَمُ أَحَيٌّ هُوَ أَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>