للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَحَاصَّ غُرَمَاؤُهُ مَالَهُ، فَمَنْ بَايَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا بَايَعَهُ فِي غَيْرِ أَمْوَالِ الْغُرَمَاءِ الَّذِينَ فَلَّسُوهُ، وَإِنَّمَا بَايَعُوهُ فِي ذِمَّتِهِ وَفِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَإِفَادَتِهِ، فَإِنْ أُعْدِمَ الثَّانِيَةَ، فَاَلَّذِينَ بَايَعُوهُ بَعْدَ عَدَمِهِ الْأَوَّلِ، أَحَقُّ بِمَالِهِ فَيَتَحَاصُّونَ فِيهِ دُونَ الْغُرَمَاءِ الْأَوَّلِينَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَقْلٌ فِي ذِمَّةٍ أَوْ مِيرَاثِ وَرَثَةٍ فَأَمَّا كُلُّ عَمَلٍ أَدَارَهُ أَوْ كَانَ مِمَّا رَجَعَتْ بِهِ الْأَرْزَاقُ عَلَيْهِ، فَهُوَ لِلَّذِينَ بَايَعُوهُ بَعْدَ عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَهُمْ خَاصَّةً لِمَا خَرَجَتْ فِيهِ أَمْوَالُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبْلُغَ فِي النَّاسِ إلَّا بِمُعَايَشَةِ مَنْ عَايَشَهُ وَمُدَايَنَةِ مَنْ دَايَنَهُ وَابْتِغَائِهِ الرِّزْقَ مِنْ رَبِّهِ بِالْإِدَارَةِ وَالتِّجَارَةِ. فَأَمَّا الَّذِينَ يُفَلِّسُونَ غَرِيمَهُمْ، فَإِنَّ حُقُوقَهُمْ تَدْخُلُ فِي فُضُولٍ إنْ كَانَتْ بِيَدَيْهِ بَعْدَ قَضَاءِ حُقُوقِ الْآخَرِينَ.

[فِي الرَّجُلِ يُفْلِسُ وَلِغُلَامِهِ عَلَيْهِ دَيْنٌ]

ٌ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلِغُلَامِهِ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، فَقَامَ الْغُرَمَاءُ عَلَيْهِ فَفَلَّسُوهُ، أَيَضْرِبُ الْعَبْدُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِدَيْنِهِ؟

قَالَ: لَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يُبَاعُ فِي دَيْنِ السَّيِّدِ، فَلَا يَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ وَسَيِّدُهُ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَالَهُ لَهُ، أَلَا تَرَى الْحَدِيثَ الَّذِي جَاءَ «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» .

قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟

قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ.

[فِي الرَّجُلِ يُفْلِسُ وَلِعَبْدِهِ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لِأَجْنَبِيٍّ أَيَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ]

ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ لِي عَبْدٌ لَهُ عَلَيَّ دَيْنٌ وَعَلَى عَبْدِي دَيْنٌ لِأَجْنَبِيٍّ، فَقَامَتْ غُرَمَائِي عَلَيَّ فَفَلَّسُونِي، أَيَضْرِبُ عَبْدِي مَعَ غُرَمَائِي بِدَيْنِهِ الَّذِي لَهُ عَلَيَّ؟

قَالَ: نَعَمْ وَيَكُونُ غُرَمَاءُ الْعَبْدِ أَوْلَى بِمَا ضَرَبَ بِهِ الْعَبْدُ وَبِمَا بَقِيَ فِي يَدَيْهِ مِنْ مَالٍ حَتَّى يَسْتَوْفُوا حُقُوقَهُمْ، وَيَكُونُ رَقَبَةُ الْعَبْدِ لِغُرَمَاءِ السَّيِّدِ حَتَّى تُبَاعَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَيَكُونُ مَا بَقِيَ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ.

قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟

قَالَ: هَذَا قَوْلُهُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ ارْتَهَنْت جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ، قِيمَتُهَا خَمْسُمِائَةٍ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَسْلَفْتهَا إيَّاهُ، ثُمَّ جَاءَنِي بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: أَسْلِفْنِي خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ أُخْرَى؟ قُلْتُ: لَا، إلَّا أَنْ تَرْهَنَنِي جَارِيَتَكَ فُلَانَةَ الْأُخْرَى بِجَمِيعِ الْأَلْفِ وَقِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ؟

قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَقْرَضَهُ عَلَى أَنْ زَادَهُ فِي سَلَفِهِ الْأَوَّلِ ذَهَبًا؟

قُلْتُ: وَكَذَلِكَ، وَأَنَّ رَجُلًا أَتَى إلَى رَجُلٍ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ لَهُ: أَنَا أُقْرِضُك أَيْضًا، عَلَى أَنْ تَرْهَنَنِي رَهْنًا بِجَمِيعِ حَقِّي الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>