للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوْ عَفَا لَمْ يَجُزْ عَفْوُهُ، فَكَذَلِكَ إكْذَابُهُ الْبَيِّنَةَ لَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ بَعْدَمَا وَجَبَ الْحَدُّ عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَيُضْرَبُ الْقَاذِفُ الْحَدَّ وَهُوَ رَأْيِي، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ. قُلْت: أَرَأَيْت إنْ قَالَ: لَمْ يَقْذِفْنِي؟

قَالَ: هَذَا وَمَا فَسَّرْتُ لَك سَوَاءٌ. قُلْت: أَرَأَيْت إنْ قَالَ الشُّهُودُ بَعْدَمَا وَجَبَ الْحَدُّ: مَا شَهِدْنَا إلَّا بِزُورٍ؟ قَالَ: يُدْرَأُ الْحَدُّ عَنْهُ.

قُلْتُ: لِمَ دَرَأْتَهُ بِرُجُوعِ الشُّهُودِ وَلَمْ تَدْرَأْهُ بِتَكْذِيبِ الْمُدَّعِي إيَّاهُمْ؟

قَالَ: لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ كَانَ لِلْمُدَّعِي حَتَّى يَبْلُغَ السُّلْطَانَ، فَلَمَّا بَلَغَ السُّلْطَانَ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ انْقَطَعَ مَا كَانَ لِهَذَا الْمَقْذُوفِ فِيهِ مِنْ حَقٍّ، وَصَارَ الْحَقُّ لِلَّهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ هَهُنَا قَوْلٌ. وَالْبَيِّنَةُ إنْ رَجَعَتْ عَنْ شَهَادَتِهِمَا لَمْ أَقْدِرْ أَنْ أُقِيمَ الْحَدَّ وَلَا بَيِّنَةَ ثَابِتَةٌ عَنْ الشَّهَادَةِ.

قُلْتُ: تَحْفَظُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ؟

قَالَ: هَذَا رَأْيِي.

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْقِصَاصَ الَّذِي هُوَ لِلنَّاسِ، إنْ عَفَوْا عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ السُّلْطَانَ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ.

[فِي الرَّجُلِ يَشْهَدُ عَلَى الرَّجُلِ بِالْحَدِّ وَيَأْتِي بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَهُ]

ُ قُلْت: أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَشْهَدُ عَلَى الرَّجُلِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الزِّنَا فَيَقُولُ. لِلْقَاضِي: أَنَا آتِيَك بِالشُّهُودِ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: إنْ كَانَ أَمْرًا قَرِيبًا فِي الْحَضَرِ حَبَسَهُ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا بَعِيدًا لَمْ يَحْبِسْهُ الْقَاضِي، وَيُنَكَّلُ إذَا رَمَاهُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ. وَأَمَّا الزِّنَا فَلَا يُخْرِجُهُ إلَّا أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ سَوَاءٌ، وَلَا يُخْرِجُهُ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ كَانَ هُوَ رَابِعُهُمْ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ الْآنَ قَاذِفًا وَيُحَدُّ الْحَدَّ إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ.

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: يَا سَارِقُ، عَلَى وَجْهِ الْمُشَاتَمَةِ: إنَّ ذَلِكَ يُنَكَّلُ. فَإِنْ قَالَ لَهُ: سَرَقْتَ مَتَاعِي وَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَكَانَ الَّذِي قِبَلَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ التُّهْمَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ الشَّتْمَ. قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا زَانِي ثُمَّ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ يَشْهَدُونَ. مَعَهُ عَلَى الزِّنَا؟ قَالَ: الْأَوَّلُ قَاذِفٌ عِنْدَ مَالِكٍ فَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ سَوَاءٌ، يَشْهَدُونَ عَلَى هَذِهِ الْفِرْيَةِ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ خَصْمًا حِينَ كَانَ قَاذِفًا، وَيُضْرَبُ الْحَدَّ وَيُضْرَبُ الشُّهُودُ الثَّلَاثَةُ أَيْضًا. قُلْت: أَرَأَيْتَ هَذَا الَّذِي شَهِدَ بِالْحَدِّ وَحْدَهُ وَقَالَ: أَنَا آتِيَك بِالْبَيِّنَةِ. أَيُوقَفُ هَذَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إنْ ادَّعَى أَمْرًا قَرِيبًا حَاضِرًا أُوقِفَ هَذَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَالشَّاهِدُ أَيْضًا، وَقِيلَ لِلشَّاهِدِ: ابْعَثْ إلَيَّ مَنْ تَزْعُمُ أَنَّهُ يَشْهَدُ، مَعَك فَإِنْ أَتَى بِهِ أُقِيمَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ أَوْ ادَّعَى شَهَادَةً بَعِيدَةً أُدِّبَ أَدَبًا مُوجِعًا إلَّا فِي الزِّنَا، فَإِنَّهُ قَالَ رَأَيْته يَزْنِي قِيلَ لَهُ: ائْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ. سِوَاك وَإِلَّا ضُرِبْت الْحَدَّ، وَيُتَوَثَّقُ مِنْهُ كَمَا يُتَوَثَّقُ مِنْ الْأَوَّلِ. فَإِنْ جَاءَ بِهِمْ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ وَإِلَّا ضُرِبَ الْحَدَّ. قُلْت: وَيُوقِفُهُ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا؟

قَالَ: لَا يُؤْخَذُ فِي الْحُدُودِ كَفَالَةٌ.

قُلْت: أَرَأَيْت كُتُبَ الْقُضَاةِ إلَى الْقُضَاةِ، هَلْ يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ فِي الْقِصَاصِ وَفِي الْأَمْوَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>