ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ فِي كُلِّ حِلٍّ شَيْءٌ مُسَمًّى، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ كِتَابَتِهِ أَتَاهُ الْعَبْدُ بِمَالِهِ كُلِّهِ فَأَبَى الْحَارِثُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَقَالَ: لِي شَرْطِي، ثُمَّ إنَّهُ رَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ عُثْمَانُ: هَلُمَّ الْمَالَ فَاجْعَلْهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَتُعْطِيهِ مِنْهُ فِي كُلِّ حِلٍّ مَا يَحِلُّ وَأَعْتِقْ الْعَبْدَ.
[كَاتَبَ عَبْدَيْنِ لَهُ فَأَصَابَتْ أَحَدَهُمَا زَمَانَةٌ]
ٌ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَاتَبْتَ أَجْنَبِيَّيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً كَاتَبْتُهُمَا وَهُمَا قَوِيَّانِ عَلَى السِّعَايَةِ فَأَصَابَتْ أَحَدَهُمَا زَمَانَةٌ وَأَدَّى الصَّحِيحُ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ قَالَ: تُفَضُّ الْكِتَابَةُ عَلَى قَدْرِ قُوَّتَيْهِمَا يَوْمَ عُقِدَتْ الْكِتَابَةُ، وَيَرْجِعُ بِمَا صَارَ عَلَى الزَّمِنِ مِنْهُمَا يَوْمَئِذٍ.
قُلْتُ: فَلَوْ أَعْتَقَ الزَّمِنَ قَبْلَ الْأَدَاءِ؟
قَالَ: يَجُوزُ عِتْقُهُ وَتَكُونُ الْكِتَابَةُ كُلُّهَا عَلَى الَّذِي هُوَ قَوِيٌّ عَلَى السَّعْيِ، وَلَا يُوضَعُ عَنْهُ بِعِتْقِ هَذَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ أَنْ يَرُدَّ، وَرَدُّ عِتْقِهِ عَلَى وَجْهِ الضَّرَرِ فِيمَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ عَلَيْهِ عِتْقُهُ وَإِنْ أَبَى؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ، فَهُوَ لَا يُوضَعُ عَنْهُ مِنْ كِتَابَتِهِ لِمُكَاتَبِهِ شَيْءٌ، وَلَا يَتْبَعُهُ إنْ أَدَّى وَعَتَقَ بِشَيْءٍ مِنْ الْكِتَابَةِ مِمَّا أَدَّى عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِغَيْرِ الْأَدَاءِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ أَوْ زَمِنَ فَعَتَقَ بِأَدَاءِ الْآخَرِ الْكِتَابَةَ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ حِينَئِذٍ عَلَى الزَّمِنِ إنْ أَفَادَ مَالًا وَهَذَا رَأْيِي.
قَالَ سَحْنُونٌ: لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْتَقَ بِالْأَدَاءِ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ.
[الْقَوْمُ يُكَاتَبُونَ جَمِيعُهُمْ كِتَابَةً وَاحِدَةً فَيُعْتِقُ السَّيِّدُ أَحَدَهُمْ أَوْ يُدَبِّرُهُ]
ُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْقَوْمَ إذَا كَانُوا فِي كِتَابَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْتَقَ السَّيِّدُ أَحَدَهُمْ وَدَبَّرَ الْآخَرَ، قَالَ: لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَمِنًا بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ فَأَمَّا التَّدْبِيرُ فَإِنَّهُمْ إنْ أَدَّوْا خَرَجُوا أَحْرَارًا، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تَدْبِيرِهِ عِنْدَ مَالِكٍ، فَإِنْ عَجَزُوا فَرَجَعُوا رَقِيقًا فَالتَّدْبِيرُ لَازِمٌ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ، وَأَمَّا الْعِتْقُ فَأَرَى أَنْ يُعْتَقَ عَلَيْهِ أَيْضًا إذَا عَجَزُوا، وَإِنَّمَا لَمْ أُجِزْ عِتْقَ السَّيِّدِ مِنْ قِبَلِ الَّذِينَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ لِئَلَّا يُعْجِزَهُمْ فَأَمَّا إذَا عَجَزُوا فَأَرَى أَنْ يُعْتَقَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَ مُكَاتَبَانِ فِي كِتَابَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْتَقَ السَّيِّدُ أَحَدَهُمَا وَهُمَا صَحِيحَانِ قَوِيَّانِ عَلَى السَّعْيِ فَأَجَازَ الْبَاقِي عِتْقَ السَّيِّدِ جَازَ وَوَضَعَ عَنْ الْبَاقِي حِصَّةَ الْمُعْتَقِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَسَعَى وَحْدَهُ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْعَى مَعَهُ الْمُعْتَقُ، فَإِنْ قَالَ: أَنَا أُجِيزُ الْعِتْقَ، وَلَكِنْ يُوضَعُ عَنَّا مَا يُصِيبُ هَذَا الْمُعْتَقَ مِنْ الْكِتَابَةِ وَأَسْعَى أَنَا وَهُوَ فِيمَا بَقِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute