للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أَوْصَى بِسُكْنَى دَارٍ أَوْ غَلَّةِ نَخْلٍ فَأَرَادَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُصَالِحُوهُ]

رَسْمٌ فِيمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ أَوْ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ أَوْ بِسُكْنَى دَارٍ أَوْ غَلَّةِ نَخْلٍ فَأَرَادَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُصَالِحُوهُ. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى لِي بِمَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ فَصَالَحَنِي الْوَرَثَةُ عَلَى دَرَاهِمَ وَخَرَجْتُ لَهُمْ مِنْ الْوَصِيَّةِ أَيَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا؛ لِأَنَّ مَا فِي بَطْنِ الْأَمَةِ لَيْسَ لَهُ مَرْجِعٌ إلَى الْوَرَثَةِ، وَالْعَبْدُ وَالدَّارُ إذَا أَوْصَى بِخِدْمَتِهِ أَوْ بِسُكْنَى الدَّارِ فَإِنَّ مَرْجِعَ ذَلِكَ إلَى الْوَرَثَةِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحُوا فَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ مَرْجِعٌ إلَى الْوَرَثَةِ فَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ لَيْسَ لَهُ مَرْجِعٌ إلَى الْوَرَثَةِ.

قُلْتُ: فَالنَّخْلُ إذَا أَوْصَى بِغَلَّتِهَا إلَى رَجُلٍ أَيَصْلُحُ أَنْ تُصَالِحَ الْوَرَثَةُ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ وَيُخْرِجُوهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَرْجِعَ النَّخْلِ إلَى الْوَرَثَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السُّكْنَى.

قُلْتُ: فَمَا فَرْقٌ مَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوِلَادَةِ؟

قَالَ: لِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ بِغَلَّةٍ وَأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ وَاسْتِخْدَامَ الْعَبْدِ وَكِرَاءَ الدَّارِ وَصُوفَ الْغَنَمِ وَلَبَنَهَا وَزُبْدَهَا غَلَّةٌ، وَقَدْ أَرْخَصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِخَرْصِهَا إلَى الْجِذَاذِ، وَقَدْ جَوَّزَ أَهْلُ الْعِلْمِ ارْتِهَانَ غَلَّةِ الدَّارِ وَغَلَّةِ الْغُلَامِ وَثَمَرِ النَّخْلِ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا وَلَمْ يُجَوِّزُوا ارْتِهَانَ مَا فِي بَطْنِ الْإِنَاثِ، وَلِأَنَّ الرَّجُلَ لَوْ اشْتَرَى دَارًا أَوْ جِنَانًا أَوْ غَنَمًا أَوْ جَارِيَةً فَاسْتَغَلَّهَا زَمَانًا أَوْ كَانَتْ الْغَلَّةُ قَائِمَةً فِي يَدَيْهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ مِنْ يَدَيْهِ مُسْتَحِقٌّ فَأَخَذَ مَا وَجَدَ مِنْ دَارِهِ أَوْ جِنَانِهِ أَوْ غَنَمِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيمَا اسْتَغَلَّ الْمُشْتَرِي شَيْءٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» ، وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَنَّ الْغَنَمَ لَوْ وَلَدَتْ أَوْ الْجَارِيَةَ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ فَأَصَابَ الْوَلَدَ لَمْ يَمُتْ لِأَخْذِ الْغَنَمِ وَمَا وَلَدَتْ وَالْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي حَبْسُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ بِغَلَّةٍ.

[ادَّعَى أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ لَهُ عَبْدًا أَوْ مَتَاعًا فَصَالَحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ]

فِيمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ لَهُ عَبْدًا أَوْ مَتَاعًا فَصَالَحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ عُرُوضٍ إلَى أَجَلٍ. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي ادَّعَيْتُ قِبَلَ رَجُلٍ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ لِي عَبْدًا أَوْ مَتَاعًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْعُرُوضِ فَصَالَحْتُهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ أَوْ عَرَضٍ إلَى أَجَلٍ؟

قَالَ: أَمَّا الْعُرُوض فَلَا يَجُوزُ، وَأَمَّا الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ فَذَلِكَ جَائِزٌ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ مَا اسْتَهْلَكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>