يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ «أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي أُخْتَانِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: طَلِّقْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ» .
[نِكَاحُ أَهْلِ الشِّرْكِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَطَلَاقُهُمْ]
ْ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ نِكَاحَ أَهْلِ الشِّرْكِ وَطَلَاقَهُمْ إذَا أَسْلَمُوا أَتُجِيزُهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: كُلُّ نِكَاحٍ يَكُونُ فِي الشِّرْكِ جَائِزًا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَهُوَ جَائِزٌ إذَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ وَكَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَ أَهْلِ الشِّرْكِ لَيْسَ كَنِكَاحِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَا أَسْلَمَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، أَتَحْمِلُهُمَا عَلَى سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّدَاقِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ مِثْلَ الْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ رَأَيْتُ النِّكَاحَ ثَابِتًا وَكَانَ ذَلِكَ كَالْمُسْلِمَةِ تَزَوَّجَتْ بِالتَّفْوِيضِ وَكَأَنَّهُمَا فِي نَصْرَانِيَّتهمَا لَمْ يُسَمِّ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ فِي أَصْلِ النِّكَاحِ شَيْئًا؟ فَقَالَ: يُقَالُ لِلزَّوْجِ أَعْطِهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا إنْ أَحْبَبْتُ وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُلْزَمَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ فِي شُرُوطِهِمْ مِنْ أَمْرٍ مَكْرُوهٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ يَثْبُتُ فِي الْإِسْلَامِ فَيَفْسَخُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ يَفْسَخُ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَا كَانَ مِنْ شُرُوطٍ لَهَا مِنْ طَلَاقٍ إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ شَرْطٍ فِي عِتْقٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ كَانَ ذَلِكَ فِي طَلَاقٍ فِيهَا أَوْ فِي غَيْرِهَا وَمَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ فِيهَا أَيْضًا مِثْلُ إنْ خَرَجَ بِهَا أَوْ مَنَعَهَا مِنْ أَهْلِهَا أَوْ أَخْرَجَهَا إلَى بَلَدٍ فَهِيَ طَالِقٌ، فَهَذَا كُلُّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ وَلَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ مَا لَوْ اشْتَرَطَ أَنْ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهِ مِنْ قُوتِهَا كَذَا وَكَذَا أَوْ فَسَادٌ فِي صَدَاقٍ فَإِنَّ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ يُرَدَّانِ فِيهِ إلَى مَا يَثْبُتُ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَتْ تُشْبِهُ الْمُسْلِمَةَ إذَا لَمْ يَبْنِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَةَ إذَا لَمْ يَبْنِ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمْ لِشُرُوطِهِمْ الَّتِي لَا تَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ وَقَعَتْ بِمَا لَا يَحِلُّ فَنِكَاحُ أَهْلِ الشِّرْكِ إذَا وَقَعَ بِمَا لَا يَحِلُّ مِنْ الشُّرُوطِ ثُمَّ أَسْلَمَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَسَادًا لِنِكَاحِهِمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ ذِمِّيًّا تَزَوَّجَ امْرَأَةَ ذِمِّيٍّ وَلَمْ يُفَارِقْهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ عِنْدَهُمْ، فَرَفَعَهَا وَرَفَعَهُ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ إلَى حَكَمِ الْمُسْلِمِينَ، أَتَرَى أَنْ يُنْظَرَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا تَظَالَمَ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ حَكَمُ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مِنْ التَّظَالُمِ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَأَرَى أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ وَيَدْفَعَ الظُّلْمَ عَمَّنْ ظُلِمَ مِنْهُمْ ذِمِّيٌّ ظَلَمَهُ أَوْ غَيْرُ ذِمِّيٍّ.
قُلْتُ: أَرَأَيْت الذِّمِّيَّيْنِ الصَّغِيرَيْنِ إذَا تَزَوَّجَا بِغَيْرِ إذْنِ الْآبَاءِ أَوْ زَوَّجَهُمَا غَيْرُ الْآبَاءِ فَأَسْلَمَا بَعْدَمَا كَبِرَا أَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا أَوْ يُقِرُّهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَى نِكَاحَهُمَا جَائِزًا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَضَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا أَسْلَمُوا فِي نِكَاحِهِمْ؛ لِأَنَّ فِي نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ أَشَرُّ مِنْ هَذَا نِكَاحَهُمْ لَيْسَ كَنِكَاحِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا أَسْلَمُوا لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute