للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لِأَهْلِ الْأَعْمَالِ سُنَنُهُمْ يَحْمِلُونَ عَلَيْهَا.

قُلْتُ: فَإِنْ خَاطَ الْخَيَّاطُ نِصْفَ الْقَمِيصِ، ثُمَّ جَاءَ يَطْلُبُهُ بِنِصْفِ إجَارَتِهِ أَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ عَمَلِهِ.

قُلْتُ: لِمَ؟

قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ الثَّوْبَ عَلَى أَنْ يَخِيطَ نِصْفَهُ وَيَتْرُكَ نِصْفَهُ.

[الدَّعْوَى فِي الْإِجَارَةِ]

ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ خَرَّازًا أَوْ صَائِغًا أَوْ صَيْقَلًا عَمَلَ لِي عَمَلًا فَقُلْتُ لَهُ: إنَّمَا عَمِلْتَهُ لِي بَاطِلًا وَقَالَ: بَلْ عَمِلْتُهُ لَكَ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا؟

قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إجَارَةُ ذَلِكَ الْعَمَلِ الَّذِي عَمِلَ عِنْدَ النَّاسِ وَإِلَّا رُدَّ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لِأَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالْعَمَلِ وَادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَهَبَ لَهُ عَمَلَهُ فَهُوَ مُدَّعٍ وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَعَلَى الْعَامِلِ الْيَمِينُ وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِمَّا ادَّعَى الْعَامِلُ فَلَا يَكُونُ لَهُ إلَّا مَا ادَّعَى.

قُلْتُ: لَهُ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا دَبَغَ جِلْدًا لِرَجُلٍ أَوْ خَاطَ ثَوْبًا لِرَجُلٍ أَوْ صَبَغَ ثَوْبًا لِرَجُلٍ أَوْ صَاغَ حُلِيًّا لِرَجُلٍ أَوْ عَمِلَ قَلَنْسُوَةً لِرَجُلٍ أَوْ عَمِلَ بَعْضَ مَا يَعْمَلُ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ لِرَجُلٍ فَأَتَى رَبُّ الْجِلْدِ وَالثَّوْبِ وَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي وَصَفْت لَكَ فَقَالُوا لِلْعَامِلِ: إنَّمَا اسْتَوْدَعْنَاك هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَلَمْ نَسْتَعْمِلْك الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ أَرْبَابِ تِلْكَ السِّلَعِ فِي إنَّمَا اسْتَوْدَعُوهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْعَامِلُ مُدَّعٍ.

قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: وَلِمَ جَعَلَ مَالِكٌ الْقَوْلَ قَوْلَ الصُّنَّاعِ؟

قَالَ: لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ وَلَا يُشْهِدُونَ وَهَذَا أَمْرُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَلَوْ جَازَ هَذَا الْقَوْلُ لَهُمْ لَذَهَبُوا بِمَا يَعْمَلُونَ لَهُ بَاطِلًا فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَتَاعِ. قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَمَّا يُدْفَعُ إلَى الصُّنَّاعِ لِيَعْمَلُوهُ فَيُقِرُّونَ أَنَّهُمْ قَدْ قَبَضُوهُ وَعَمِلُوهُ وَرَدُّوهُ إلَى أَرْبَابِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَالْقَبْضُ لَهُ؟

قَالَ: إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَدْ قَبَضَ الْمَتَاعَ فَهُوَ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ رَدَّهُ، قَالَ: وَلَوْ جَازَ هَذَا لِلصَّانِعِ لَذَهَبُوا بِمَتَاعِ النَّاسِ.

قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنْ ادَّعَى عَلَى أَحَدِهِمْ فَأَنْكَرَ؟

قَالَ: لَا يُؤَاخَذُونَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّ الْمَتَاعَ قَدْ دُفِعَ إلَيْهِمْ وَإِلَّا أُحْلِفُوا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ رَبُّ الْمَتَاعِ: سُرِقَ مِنِّي مَتَاعِي هَذَا، وَقَالَ الصَّانِعُ: بَلْ أَمَرْتنِي

<<  <  ج: ص:  >  >>