اقْتَضَى حَقَّهُ بِشَيْءٍ مِمَّا اقْتَضَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي الْمَالِ فَضْلٌ فِيهِ وَفَاءٌ لِحُقُوقِ هَؤُلَاءِ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ فَضْلٌ لَيْسَ فِيهِ وَفَاءٌ بِحُقُوقِ هَؤُلَاءِ؟
قَالَ: يُنْظَرُ إلَى قَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ حُقُوقِهِمْ بَعْدَ فَضْلَةِ هَذَا الْمَالِ فَيَتْبَعُونَ الْغُرَمَاءَ بِذَلِكَ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَهَلْ ذَكَرَ مَالِكٌ، إذَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْغُرَمَاءُ الَّذِينَ لَمْ يَقْبِضُوا حُضُورًا أَمْ غُيَّبًا؟
قَالَ: لَمْ أَسْأَلْهُ عَنْ هَذَا وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مُبْهَمًا وَلَمْ يُفَسِّرْ لَنَا حَاضِرًا مِنْ غَائِبٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَلَكَ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دُيُونًا لِلنَّاسِ فَبَاعَ الْوَرَثَةُ مَالَهُ وَقَضَوْا أَهْلَ دَيْنِهِ وَفَضَلَتْ فِي يَدَيَّ الْوَرَثَةِ مِنْ مَالِهِ فَاقْتَسَمُوهَا، فَقَدِمَ رَجُلٌ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَيِّتِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَوَى مَا أَخَذَ الْوَرَثَةُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَأَصَابَ الْوَرَثَةُ عَدَمًا، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ الْغُرَمَاءَ الَّذِينَ أَخَذُوا دَيْنَهُمْ مِنْ الْوَرَثَةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ الْغُرَمَاءَ، وَلَكِنْ يَتْبَعُ الْوَرَثَةَ إذَا كَانَ الَّذِي بَقِيَ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ فِي يَدَيْ الْوَرَثَةِ كَفَافًا لِدَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ فِي يَدَيْ الْوَرَثَةِ، رَجَعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِمَا يَصِيرُ لَهُ عِنْدَهُمْ أَنْ لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَحَاصَّهُمْ. وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنُ ثَلَثِمِائَةِ دِينَارٍ لِثَلَاثَةِ رِجَالٍ، وَتَرِكَةُ الْمَيِّتِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ دِينَارًا، فَقَضَى الْوَرَثَةُ غَرِيمَيْنِ مِائَتَيْنِ وَلَمْ يُعْلَمْ بِالْآخَرِ، وَبَقِيَتْ فِي يَدَيْ الْوَرَثَةِ خَمْسُونَ فَهُوَ يُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ، فَيَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثٌ. فَالْخَمْسُونَ الَّتِي فِي يَدَيْ الْوَرَثَةِ هِيَ لِلْغَرِيمِ الَّتِي أَحْيَا دَيْنَهُ يَتْبَعُ الْوَرَثَةَ بِهَا، وَيَتْبَعُ اللَّذَيْنِ اقْتَضَيَا مِائَةً يَتْبَعُ كُلَّ وَاحِدٍ بِسَبْعَةَ عَشَرَ إلَّا ثُلُثًا، فَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ، فَيَصِيرُ لَهُ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثٌ بِالْخَمْسِينَ الَّتِي فِي يَدَيْ الْوَرَثَةِ، وَيَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثٌ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَرُجِعَ عَلَيْهِ بِسَبْعَةَ عَشَرَ إلَّا ثُلُثًا.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا مِقْدَارَ الدَّيْنِ الَّذِي أَخَذَتْهُ الْغُرَمَاءُ مَنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِمْ الْوَرَثَةُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَرْجِعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ فَيُحَاصُّهُمْ بِمِقْدَارِ دَيْنِهِ.
قُلْتُ: وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ أَصَابَ الْغُرَمَاءُ عَدَمًا؟
قَالَ: إذَا قَضَيْت الْوَرَثَةُ الْغُرَمَاءَ بَيْنَهُمْ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِدَيْنِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي طَرَأَ عَلَيْهِمْ، فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ وَإِنْ كَانُوا يَعْلَمُونَ بِدَيْنِهِ، فَإِنْ أَصَابَ الْغُرَمَاءُ عَدَمًا لَا مَالَ عِنْدَهُمْ، كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَرَثَةِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَيَتْبَعُ الْوَرَثَةُ الْغُرَمَاءَ الْأَوَّلِينَ بِمِقْدَارِ مَا غَرِمُوا لِهَذَا الْغَرِيمِ الَّذِي طَرَأَ، قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي؛ لِأَنَّهُمْ أَتْلَفُوا حَقَّهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ.
[فِي الْوَرَثَةِ يَتْبَعُونَ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ فَيَسْتَهْلِكُونَهَا ثُمَّ يَأْتِي الْغُرَمَاءُ]
ُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ بَاعَ الْوَرَثَةُ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ فَأَكَلُوهَا وَاسْتَهْلَكُوهَا، ثُمَّ قَدِمَ قَوْمٌ فَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى دَيْنٍ لَهُمْ عَلَى الْمَيِّتِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ الْمَيِّتُ مَعْرُوفًا بِالدَّيْنِ فَبَادَرَ الْوَرَثَةُ الْغُرَمَاءَ فَأَخَذُوا مَالَهُ فَبَاعُوهُ وَاقْتَسَمُوهُ وَأَكَلُوهُ، كَانَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا مَالَ