[الْمُكَاتَبِ يُؤَدِّي كِتَابَتَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ]
فِي الْمُكَاتَبِ يُؤَدِّي كِتَابَتَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمُكَاتَبَ إذَا أَدَّى كِتَابَتَهُ إلَى سَيِّدِهِ وَعَلَى الْمُكَاتَبِ دَيْنٌ فَقَامَتْ الْغُرَمَاءُ فَأَرَادُوا أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ السَّيِّدِ مَا اقْتَضَى مِنْ مُكَاتَبِهِ قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْهَا فَقَالَ: إنْ كَانَ الَّذِي اقْتَضَى السَّيِّدُ مِنْ مُكَاتَبِهِ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَمْوَالِ هَؤُلَاءِ الْغُرَمَاءِ أَخَذُوهُ مِنْ السَّيِّدِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ لَمْ يَرْجِعُوا عَلَى السَّيِّدِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى إذَا كَانَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَنْزِعُوا مِنْ السَّيِّدِ مَا عَتَقَ بِهِ الْمُكَاتَبُ رَأَيْتُهُ مَرْدُودًا فِي الرِّقِّ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ، وَعَنْ أَشْهَبَ، عَنْ مَالِكٍ فِي مُكَاتَبٍ قَاطَعَ سَيِّدَهُ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ لِعَبْدٍ دَفَعَهُ إلَيْهِ فَاعْتَرَفَ فِي يَدَيْهِ بِسَرِقِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ، قَالَ: يَرْجِعُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِقِيمَةِ مَا أَخَذَ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ رُدَّ مُكَاتَبًا كَمَا كَانَ قَبْلَ الْقُطَاعَةِ، وَهَذَا رَأْيِي وَاَلَّذِي كُنْتُ أَسْمَعُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُرَدُّ وَيَتْبَعُ الْمُكَاتَبَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَتَقَ بِالْقُطَاعَةِ فَتَمَّتْ حُرْمَتُهُ، وَجَازَتْ شَهَادَتُهُ، وَوَارَثَ الْأَحْرَارَ فَلَا يُرَدُّ عِتْقُهُ.
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُكَاتَبِ يُقَاطِعُ سَيِّدَهُ عَلَى شَيْءٍ اسْتَرْفَقَهُ أَوْ ثِيَابٍ اسْتَوْدَعَهَا، ثُمَّ يَعْتَرِفُ ذَلِكَ بِيَدِ السَّيِّدِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ الْمُكَاتَبُ هَكَذَا، لَا يُؤْخَذُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ.
وَقَالَ بَعْضُ رُوَاةِ الْمَدَنِيِّينَ: إذَا كَانَ الشَّيْءُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي مِلْكِهِ شُبْهَةٌ إنَّمَا اغْتَرَّ بِهِ مَوْلَاهُ، فَهَذَا الَّذِي لَا يَجُوزُ لَهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ الشَّيْءُ بِيَدِهِ يَمْلِكُهُ وَلَهُ فِيهِ شُبْهَةُ الْمِلْكِ لَمَا طَالَ مِنْ مِلْكِهِ لَهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ، فَإِنَّ هَذَا يَتِمُّ لَهُ عِتْقُهُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَتْبَعَ بِهِ دَيْنًا، وَقَالَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَيْضًا ابْنُ وَهْبٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُقَاطِعَ سَيِّدَهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ فَيُعْتَقُ وَيَصِيرُ لَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الدُّيُونِ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ سَيِّدِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِجَائِزٍ لَهُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا قَاطَعَ بِأَمْوَالِ النَّاسِ وَهِيَ دَيْنٌ عَلَيْهِ فَدَفَعَ ذَلِكَ إلَى سَيِّدِهِ فَأَعْتَقَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِجَائِزٍ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ إنْ مَاتَ مُكَاتَبُهُ أَنْ يُحَاصَّ بِقِطَاعَتِهِ النَّاسَ فِي أَمْوَالِهِمْ كَمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُحَاصَّ بِكِتَابَتِهِ أَهْلَ الدَّيْنِ، وَكَمَا إذَا عَجَزَ مُكَاتَبُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ كَانَ عَبْدًا لَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute