وَضَيَاعُ الْأَلْفِ الَّتِي لَمْ يَفْعَلْ فِيهَا صَاحِبُهَا شَيْئًا مِنْ صَاحِبِهَا. قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ لَا يَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا شِرْكٌ، لِأَنَّ الشِّرْكَ لَا يَكُونُ إلَّا أَنْ يَخْلِطَا الْمَالَ. أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الْمِائَةِ الَّتِي اشْتَرَى بِهَا، يَقُولُ لَمْ أَرْضَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَعِي نَصِيبٌ فِي مَالِي، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِي مَعَهُ نَصِيبٌ فِي مَالِهِ، فَإِذَا كَانَ لَمْ يَنْعَقِدْ لِي فِي مَالِهِ شَرِكَةٌ، فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي مَالِي. أَوْ لَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَدْ قَالَ، فِي الَّذِي أَخْرَجَ مِائَتَيْنِ، وَأَخْرَجَ الْآخَرُ مِائَةً، فَاشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَالنُّقْصَانَ عَلَيْهِمَا، فَفَعَلَا وَاشْتَرَيَا عَلَى ذَلِكَ: لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُمَا بِاَلَّذِي يُوجِبُ لِصَاحِبِ الْقَلِيلِ الرَّأْسِ الْمَالِ فِي مَالِ صَاحِبِهِ الْكَثِيرِ الرَّأْسِ الْمَالِ نِصْفَهُ، وَقَدْ فَعَلَا عَلَى الرِّضَا مِنْهُمَا، وَلَمْ يَكُنْ فِعْلُهُمَا، إنْ وَقَعَتْ وَضِيعَةٌ أَنْ يَضْمَنَ الْقَلِيلُ الرَّأْسِ الْمَالِ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ الْكَثِيرِ الرَّأْسِ الْمَالِ شَيْئًا، فَلَا تَكُونُ شَرِكَةً إلَّا مَا خَلَطَا وَجَمَعَا.
[فِي الشَّرِيكَيْنِ فِي الْبَلَدَيْنِ يُجَهِّزُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ كَيْفَ نَفَقَتُهُمَا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَكْنَا بِمَالٍ كَثِيرٍ، وَهُوَ فِي بَلَدٍ وَأَنَا فِي بَلَدٍ، يُجَهِّزُ عَلَيَّ وَأُجَهِّزُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قُلْتُ: تَحْفَظْهُ عَنْ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ، كَيْفَ يَصْنَعَانِ فِي نَفَقَتِهِمَا؟ قَالَ: سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الشَّرِيكَيْنِ يَكُونَانِ فِي بَلَدَيْنِ، يُجَهِّزُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَأَسْعَارُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ، فَيُنْفِقُ هَذَا هَاهُنَا وَيُنْفِقُ هَذَا هَاهُنَا، أَتَرَى أَنْ يَحْسِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَنْفَقَ؟ قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى ذَلِكَ، وَأَرَى أَنْ تُلْغَى نَفَقَةُ هَذَا وَنَفَقَةُ هَذَا جَمِيعًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ الْمُنْفَرِدُ بِيَدَيْهِ لَا عِيَالَ لَهُ وَلَا وَلَدَ، وَالْآخَرُ لَهُ عِيَالٌ وَوَلَدٌ، فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا، رَأَيْتُ أَنْ يَحْسُبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَنْفَقَ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا عَلَى ذَلِكَ، رَأَيْتُ أَنْ تُلْغَى النَّفَقَةُ بَيْنَهُمَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَا فِي بَلَدَيْنِ، فَاخْتَلَفَتْ الْأَسْعَارُ: إنَّ النَّفَقَةَ تُلْغَى بَيْنَهُمَا، فَإِذَا كَانَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، فَذَلِكَ أَحْرَى أَنْ تُلْغَى النَّفَقَةُ بَيْنَهُمَا، لَا شَكَّ فِي هَذَا إذَا كَانَ لَهُمَا عِيَالٌ.
[الشَّرِكَةُ فِي الْمُفَاوَضَةِ]
ِ قُلْتُ: هَلْ يَعْرِفُ مَالِكٌ شَرِكَةَ عِنَانٍ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ، وَلَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ يَعْرِفُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَا اشْتَرَكَا فِيهِ، إنْ كَانَ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَقَدْ تَفَاوَضَا، وَإِنْ كَانَا إنَّمَا اشْتَرَكَا فِي أَنْ اشْتَرَيَا نَوْعًا وَاحِدًا مِنْ التِّجَارَةِ مِثْلَ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ، فَقَدْ تَفَاوَضَا فِي ذَلِكَ النَّوْعِ. فَأَمَّا الْعِنَانُ، فَلَا يُعْرَفُ وَلَا نَعْرِفُهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إلَّا مَا وَصَفْتُ لَكَ. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَكَا فِي شِرَاءِ الرَّقِيقِ وَحْدَهَا، أَتَرَاهُمَا مُتَفَاوِضَيْنِ فِي شِرَاءِ الرَّقِيقِ؟ قَالَ: نَعَمْ، لِأَنَّ هَذَا جَائِزٌ إذَا اشْتَرَكَا عَلَى أَصْلِ مَالٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مُفَاوَضَةٌ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ عَلَى الثُّلُثَيْنِ، أَيَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَيَكُونَانِ مُتَفَاوِضَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، لِأَنَّ هَذَا جَائِزٌ إنْ اشْتَرَكَا عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute