للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى سَرِقَةٍ أَوْ زِنًا فَغَابُوا قَبْلَ أَنْ يُزَكَّوْا ثُمَّ زُكُّوا، أَيُقِيمُ الْقَاضِي الْحَدَّ أَمْ لَا يُقِيمُهُ حَتَّى تَحْضُرَ الشُّهُودُ فَيُقِيمَهُ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ؟ قَالَ: يُقِيمُ الْحُدُودَ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى مَغِيبِ الشُّهُودِ، إذَا شَهِدُوا وَأَثْبَتُوا الشَّهَادَةَ أَقَامَ الْحَدَّ وَإِنْ غَابُوا

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدُوا ثُمَّ مَاتُوا فَزُكُّوا وَهُمْ مَوْتَى، أَيُقِيمُ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ بِشَهَادَتِهِمْ. فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: وَإِنْ خَرِسُوا أَوْ عَمُوا أَوْ جُنُّوا قَالَ: نَعَمْ، هَذَا كُلُّهُ يُقِيمُ الْإِمَامُ الْحَدَّ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى الَّذِي أَصَابَهُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي رَأْيِي.

قُلْتُ: فَإِنْ ارْتَدَّ الشُّهُودُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَدْ حَبَسَهُ الْقَاضِي، أَيُقِيمُ الْحُدُودَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا يُقَامُ الْحَدُّ إنْ ارْتَدُّوا لِأَنَّهُمْ هَهُنَا قَدْ عَادُوا إلَى حَالٍ لَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَتُهُمْ. وَفِي مَسَائِلِكَ الْأُوَلِ لَمْ يَعُودُوا إلَى حَالِ فِسْقٍ وَلَا إلَى حَالِ ارْتِدَادٍ وَإِنَّمَا اُبْتُلُوا بِغَيْرِ ذَلِكَ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ فُسِّقَ هَؤُلَاءِ الشُّهُودُ أَوْ وُجِدُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا، أَوْ فَسَدَتْ حَالُهُمْ بَعْدَمَا زُكُّوا أَوْ أَمَرَ الْقَاضِي بِإِقَامَةِ الْحَدِّ إلَّا أَنَّ الْحَدَّ لَمْ يُقَمْ بَعْدُ. قَالَ: يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ قَدْ ثَبَتَتْ وَقَدْ قَضَى بِهَا.

قُلْتُ: فَكَيْفَ هَذَا فِي حُقُوقِ النَّاسِ؟

قَالَ: إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْحُقُوقِ لِلنَّاسِ ثُمَّ صَارُوا إلَى مَا ذَكَرْتَ مِنْ الْحَالِ السَّيِّئَةِ إلَى الِارْتِدَادِ أَوْ إلَى الْفِسْقِ، فَإِنَّ الْقَضَاءَ قَدْ نَفَذَ هَهُنَا.

قُلْتُ: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟

قَالَ: لَا.

قُلْتُ: فَكَيْفَ هَذَا فِي الْقِصَاصِ إذَا قَضَى الْقَاضِي فِي الْقِصَاصِ ثُمَّ ارْتَدَّ الشُّهُودُ عَنْ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يَقْتَصَّ الْمَجْرُوحُ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَأَرَى أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ إذَا كَانَ قَدْ قَضَى بِهِ وَأَنْفَذَهُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ غَابَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى السَّرِقَةِ، أَتَقْطَعُهُ وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ غَائِبٌ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى غَيْبَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ الْمَتَاعُ. أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الْمَتَاعِ الَّذِي أَخْبَرْتُك أَنَّهُ بِمِصْرَ وَصَاحِبُهُ بِالشَّامِ: إنَّ السَّارِقَ يُقْطَعُ

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ الْمَتَاعُ، لَمْ يُسْرَقُ مِنِّي شَيْءٌ. وَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ سُرِقَ، أَيُقْطَعُ أَمْ لَا؟ قَالَ: نَعَمْ. يُقْطَعُ فِي رَأْيِي.

[تَفْرِقَةُ الشُّهُودِ عَنْ الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُود]

قُلْتُ: هَلْ يُفَرِّقُ الْوَالِي بَيْنَ الشُّهُودِ إذَا شَهِدُوا عَلَى الْحُدُودِ؟ قَالَ: لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ إلَّا أَنْ يَسْتَنْكِرَ الْإِمَامُ شَيْئًا إذَا كَانُوا عُدُولًا بَيِّنَةً عَدَالَتُهُمْ إلَّا مَا أَخْبَرْتُك مِنْ حَدِّ الزِّنَا، فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ شَهَادَتِهِمْ، فَإِنْ وَجَدَ فِيهَا مَا يَدْرَأُ الْحَدَّ دَرَأَهُ. فَلَا أَدْرِي أَرَادَ بِذَلِكَ تَفْرِقَتَهُمْ أَمْ يَسْأَلُهُمْ عَنْ تَحَقُّقِ الزِّنَا، وَلَا أَرَى أَنْ يُفَرِّقَهُمْ وَلَكِنْ يَسْأَلُهُمْ عَنْ تَحَقُّقِ الزِّنَا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ مُسْلِمًا أَقَامَ شَاهِدَيْنِ كَافِرَيْنِ عَلَى كَافِرٍ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْهُ مَتَاعًا يُقْطَعُ فِي مِثْلِهِ؟ قَالَ: لَا يُقْضَى لَهُ بِالْمَتَاعِ وَلَا بِشَيْءٍ وَلَا يُقْضَى عَلَى الْكَافِرِ بِالْحَدِّ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>