[الرَّجُلِ يَهَبُ دَارًا فَيُعَوَّضُ مِنْهَا دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ فَيَقْبَلُ ذَلِكَ الرَّجُلُ]
ُ قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَهَبْت لِرَجُلٍ هِبَةً دَارًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَعَوَّضَنِي مِنْ الْهِبَةِ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ وَقَبِلْت ذَلِكَ، أَوْ عَوَّضَنِي خِدْمَةَ غُلَامِهِ سِنِينَ أَوْ سُكْنَى دَارٍ لَهُ أُخْرَى سِنِينَ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى، لِأَنَّ هَذَا مِنْ وَجْهِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ، فَلَمَّا فَسَخَهَا فِي سُكْنَى دَارٍ أَوْ فِي خِدْمَةِ غُلَامٍ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ إذَا فَسَخَهَا فِي سُكْنَى دَارٍ أَوْ فِي خِدْمَةِ عَبْدٍ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَقْبِضَ ذَلِكَ مَكَانَهُ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ لَمْ تَتَغَيَّرْ بِنَمَاءٍ أَوْ نُقْصَانٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَوْ أَبَى أَنْ يُثِيبَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ إلَّا هِبَتُهُ يَأْخُذُهَا، فَإِذَا لَمْ تَتَغَيَّرْ فَكَأَنَّهُ بَيْعٌ حَادِثٌ بَاعَهُ إيَّاهَا بِسُكْنَى هَذِهِ الدَّارِ أَوْ خِدْمَةِ هَذَا الْغُلَامِ. وَأَمَّا فِي الدَّيْنِ فَذَلِكَ جَائِزٌ إنْ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي عَوَّضَهُ حَالًّا أَوْ غَيْرَ حَالٍّ فَذَلِكَ جَائِزٌ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: افْسَخْ مَا حَلَّ مِنْ دَيْنِك إذَا كَانَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فِيمَا حَلَّ وَفِيمَا لَمْ يَحِلَّ، فَلَا بَأْسَ بِهَذَا فِي مِثْلِهِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ حَالَّةٌ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَفْسَخَهَا فِي دَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ أَوْ فِي دَيْنٍ قَدْ حَلَّ إذَا كَانَ مِنْ صِنْفِهِ وَفِي مِثْلِ عَدَدِهِ أَوْ أَدْنَى، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَلَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ يَفْسَخُ مَا قَدْ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ بِالنَّقْدِ فِي دَيْنٍ أَكْثَرَ مِنْهُ إلَى أَجَلٍ. فَازْدَادَ فِيهِ بِالتَّأْخِيرِ وَذَلِكَ إذَا تَغَيَّرَتْ الْهِبَةُ، فَأَمَّا إذَا لَمْ تَتَغَيَّرْ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
قُلْت: وَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي رَجُلٍ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَحِلَّ فَبِعْت ذَلِكَ الدَّيْنِ قِبَلَ حُلُولِهِ؟ قَالَ: قَالَ: مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا بِعْت ذَلِكَ الدَّيْنِ بِعِوَضٍ تَتَعَجَّلُهُ وَلَا تُؤَخِّرُهُ إذَا كَانَ دَيْنُك ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا، وَكَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ حَاضِرًا مُقِرًّا. قُلْت: فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَرْضًا مِنْ الْعُرُوضِ؟
قَالَ: فَبِعْهُ عِنْدَ مَالِكٍ بِعَرْضٍ مُخَالِفٍ لَهُ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَتَعَجَّلْهَا وَلَا تُؤَخِّرْهَا.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنِّي وَهَبْت دَارًا لِي لِرَجُلٍ فَتَغَيَّرَتْ بِالْأَسْوَاقِ. فَعَوَّضَنِي بَعْدَ ذَلِكَ عَرْضًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلٍ وَأَحَالَنِي عَلَيْهِ، أَيَجُوزُ هَذَا أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا. قُلْت: فَإِنْ تَغَيَّرَتْ بِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ؟
قَالَ: فَلَا خَيْرَ فِيهِ. قُلْت: وَلِمَ لَا تُجِيزُ هَذَا فِي الْعُرُوضِ وَقَدْ أَجَزْته فِي الدَّيْنِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إذَا أَحَلَّهُ بِهِ؟ قَالَ: لِأَنَّ الْقِيمَةَ الَّتِي وَجَبَتْ لِلْوَاهِبِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، صَارَتْ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ حَالَّةً، فَإِنْ فَسَخَهَا فِي دَنَانِيرَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ حَلَّتْ أَوْ لَمْ تَحِلَّ، فَإِنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ الْوَاهِبِ صَنَعَهُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ حِينَ أَخَّرَهُ إذَا أَبْرَأَ ذِمَّتَهُ وَتَحَوَّلَ بِالْقِيمَةِ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَفْسَخُ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي عَرْضٍ مِنْ الْعُرُوضِ فِي ذِمَّةِ رَجُلٍ، فَهَذَا بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ وَلَا يَجُوزُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ اشْتَرَى الْعُرُوضَ إلَى أَجَلٍ بِالْقِيمَةِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute