الشَّفَاعَةُ بَعْدَمَا يَنْتَهِي إلَى السُّلْطَانِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَصْلُحُ فِيهِ الشَّفَاعَةُ إذَا بَلَغَ السُّلْطَانَ أَوْ الشُّرَطَ أَوْ الْحَرَسَ.
قَالَ: وَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْعَفْوُ إذَا بَلَغَ الْإِمَامَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ سِتْرًا. قَالَ مَالِكٌ: وَالشُّرَطُ وَالْحَرَسُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ، إذَا وَقَعَ فِي أَيْدِيهمْ لَمْ تَجُزْ الشَّفَاعَةُ بَعْدُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُخَلُّوهُ فَإِنْ عَفَا الْمَقْذُوفُ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِ السُّلْطَانِ لَمْ يَجُزْ عَفْوُهُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ سَتْرًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الشَّفَاعَةَ فِي التَّعْزِيرِ أَوْ النَّكَالَ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ، أَيَصْلُحُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ أَوْ النَّكَالُ فَيَبْلُغُ بِهِ الْإِمَامَ.
قَالَ مَالِكٌ: يَنْظُرُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْمُرُوءَةِ وَالْعَفَافِ وَإِنَّمَا هِيَ طَائِرَةٌ أَطَارَهَا تَجَافَى السُّلْطَانُ عَنْ عُقُوبَتِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عُرِفَ بِذَلِكَ وَبِالطَّيْشِ وَالْأَذَى ضَرَبَهُ النَّكَالَ، فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الْعَفْوَ وَالشَّفَاعَةَ جَائِزَةٌ فِي التَّعْزِيرِ وَلَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ.
[فِيمَنْ عَفَا عَنْ قَاذِفِهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ عَفَا عَنْ قَاذِفِهِ، ثُمَّ أَتَى بِهِ بَعْدَ زَمَانٍ فَأَرَادَ أَنْ يَحُدَّهُ وَلَمْ يَكُنْ كَتَبَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كِتَابًا؟ قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُحَدُّ وَالْعَفْوُ جَائِزٌ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ: يَا مُخَنَّثُ. إنَّهُ يُجْلَدُ الْحَدَّ إنْ رَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ الْقَائِلُ يَا مُخَنَّثُ، بِاَللَّهِ، أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ قَذْفًا. فَإِنْ حَلَفَ عَفَا عَنْهُ بَعْدَ الْأَدَبِ وَلَمْ يُضْرَبْ حَدَّ الْفِرْيَةِ، فَإِنْ هُوَ عَفَا عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ السُّلْطَانُ ثُمَّ طَلَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ لَهُ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَاذِفَ إنَّمَا تُقْبَلُ يَمِينُهُ إذَا زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ قَذْفًا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ، فِيهِ تَأْنِيثٌ وَلِينٌ وَاسْتِرْخَاءٌ، فَحِينَئِذٍ يُصَدَّقُ وَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَذْفًا وَإِنَّمَا أَرَادَ تَأْنِيثَهُ ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ، لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، ضُرِبَ الْحَدَّ وَلَمْ تُقْبَلْ يَمِينُهُ إذَا زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ قَذْفًا، وَهُوَ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ. قِيلَ لَهُ: إنَّ عِنْدَنَا بِالْأَنْدَلُسِ لَا يَعْرِفُونَ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَرَادَ بِهِ إلَّا الْفِعْلَ، فَأَرَى أَنْ يُحَدَّ وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ يَمِينُهُ. قَالَ: وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ فِي رَجُلٍ قَذَفَ رَجُلًا فَعَفَا عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ بِهِ إلَى السُّلْطَانِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَقُومَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَقَدْ أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ مَنْ أَثِقُ بِهِ وَهُوَ رَأْيِي. قُلْت: أَرَأَيْت الْقَذْفَ، أَيَقُومُ بِهِ مَنْ قَامَ بِهِ مِنْ النَّاسِ؟ قَالَ: لَا يَقُومُ بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا الْمَقْذُوفُ.
قُلْتُ: فَلَوْ أَنَّ قَوْمًا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَ فُلَانًا وَفُلَانٌ يُكَذِّبُهُمْ وَيَقُولُ: مَا قَذَفَنِي؟ قَالَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى شَهَادَةِ الشُّهُودِ عِنْدَ مَالِكٍ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ ادَّعَى الْمَقْذُوفُ أَنَّ الْقَاذِفَ قَذَفَهُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ الْبَيِّنَةَ عِنْدَ السُّلْطَانِ، ثُمَّ إنَّ الْمَقْذُوفَ قَالَ لِلسُّلْطَانِ بَعْدَمَا شَهِدَتْ شُهُودُهُ: إنَّهُمْ شَهِدُوا بِزُورٍ؟ قَالَ: هَذَا قَدْ بَلَغَ الْإِمَامَ وَقَدْ شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْإِمَامِ بِالْحَدِّ وَهُوَ مُدَّعٍ لِلْقَذْفِ، فَلَمَّا وَجَبَ الْحَدُّ قَالَ: كَذَبَتْ بَيِّنَتِي. فَلَا يُنْظَرُ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْحَدَّ قَدْ وَجَبَ، فَهَذَا يُرِيدُ إبْطَالَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute