للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إقْرَارِ الْمُكَاتَبِ بِالْجِنَايَةِ وَالدَّيْنِ]

فِي إقْرَارِ الْمُكَاتَبِ بِالْجِنَايَةِ وَالدَّيْنِ

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مُكَاتَبًا أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ خَطَأً أَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ، أَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَمَّا الدَّيْنُ فَلَازِمٌ لَهُ - عِنْدَ مَالِكٍ - فِي ذِمَّتِهِ، وَأَمَّا الْجِنَايَةُ فَلَا تَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إقْرَارُ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ لَا يَلْزَمُهُ إقْرَارُهُ بِالْجِنَايَةِ. فَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ رَقِيقًا وَلَمْ يَكُنْ عَلَى السَّيِّدِ مِنْ إقْرَارِهِ بِالْجِنَايَةِ شَيْءٌ وَيَتْبَعُهُ أَصْحَابُ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنْ عَتَقَ بَعْدَمَا عَجَزَ لَمْ يَلْزَمْهُ إقْرَارُهُ بِالْجِنَايَةِ.

قُلْتُ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ عَبْدًا أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ عَقْلُ الْجِنَايَةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا.

[الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَجِنَايَةٌ]

فِي الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَجِنَايَةٌ

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ مُكَاتَبًا مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ وَجِنَايَةٌ خَطَأً كَانَ جَنَاهَا؟ قَالَ: أَهْلُ الدَّيْنِ أَوْلَى بِمَالِهِ مِنْ أَهْلِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِي رَقَبَتِهِ وَالدَّيْنَ لَيْسَ فِي رَقَبَتِهِ.

قُلْتُ: فَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَقَدْ جَنَى جِنَايَةً خَطَأً؟ قَالَ: أَهْلُ الْجِنَايَةِ أَوْلَى بِمَالِهِ مِنْ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ فِي رَقَبَتِهِ وَفِي مَالِهِ. وَإِنْ كَانَ جَنَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّمَا جِنَايَتُهُ فِي رَقَبَتِهِ وَالدَّيْنُ فِي مَالِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: فِي الْعَبْدِ يَجْنِي جِنَايَةً: إنَّ مَالَهُ وَرَقَبَتَهُ فِي جِنَايَتِهِ يُقَالُ لِلسَّيِّدِ: ادْفَعْهُ وَمَالَهُ أَوْ افْدِهِ بِجَمِيعِ عَقْلِ جِنَايَتِهِ. فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟

قَالَ: دَيْنُهُ أَوْلَى بِمَالِهِ وَجِنَايَتُهُ فِي رَقَبَتِهِ.

قُلْتُ: فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ أَدَاءِ الْعَقْلِ فَأَدَّاهُ عَنْهُ سَيِّدُهُ، أَيَكُونُ عَلَى كِتَابَتِهِ أَمْ يَكُونُ عَبْدًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: إذَا لَمْ يَقْوَ عَلَى أَدَاءِ الْجِنَايَةِ رُدَّ رَقِيقًا وَخُيِّرَ سَيِّدُهُ، فَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَجُرُّ الْجَرِيرَةَ وَلَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ: إنَّ مَالَهُ فِي دَيْنِهِ وَجَرِيرَتَهُ فِي رَقَبَتِهِ، فَكَذَلِكَ كَانَ مَا قُلْتُ لَكَ.

قُلْتُ: فَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ وَلَدًا حَدَثُوا مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا، وَعَلَى الْمُكَاتَبِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ وَجِنَايَاتٌ كَانَ جَنَاهَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْجِنَايَاتُ فِي رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ - عِنْدَ مَالِكٍ - إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ مَالٌ. وَأَمَّا دَيْنُ الْمُكَاتَبِ، فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: دَيْنُهُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ مَاتَ هَذَا الْمُكَاتَبُ وَلَا مَالَ لَهُ فَلَا شَيْءَ لِلْغَرِيمِ وَقَدْ بَطَلَ دَيْنُهُ.

قُلْتُ: أَفَلَا يَكُونُ لِغَرِيمِ الْمُكَاتَبِ فِيمَا فِي يَدَيْ الِابْنِ مِنْ الْمَالِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ؟

قَالَ: نَعَمْ، لَا شَيْءَ لَهُ مِمَّا فِي يَدَيْ الِابْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَالًا لِلْأَبِ وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ دَيْنِهِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: دَيْنُ الْمُكَاتَبِ فِي مَالِهِ وَالِابْنُ لَيْسَ بِمَالِهِ. فَمَا اكْتَسَبَ الِابْنُ الَّذِي حَدَثَ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ مَالٍ فَلَيْسَ لِأَبِيهِ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ وَلِابْنِهِ مَالٌ ظَاهِرٌ فَيَأْخُذُ مِنْ مَالِ الِابْنِ الْكِتَابَةَ إذَا كَانَتْ قَدْ حَلَّتْ، وَإِلَّا فَمَا حَلَّ مِنْهَا. فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ دَيْنَ الْمُكَاتَبِ لَا يَكُونُ عَلَى ابْنِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَمِنْهُ رَأْيِي وَلَا يَكُونُ عَلَى الِابْنِ مِنْ جِنَايَةِ أَبِيهِ شَيْءٌ.

وَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْجِنَايَةُ وَالدَّيْنُ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَقَدْ مَاتَ وَلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>