قُلْتُ: وَلِمَ جَعَلْتَ الْأَلْفَ دِرْهَمٍ لَازِمَةً لَهُ وَلَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ الْوَلَاءِ شَيْئًا؟
قَالَ: أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَتَى إلَى رَجُلٍ فَقَالَ: اعْتِقْ عَبْدَكَ وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَعْتَقَهُ أَنَّ الْأَلْفَ لَازِمَةٌ لَهُ وَأَنَّ الْوَلَاءَ لِلَّذِي أَعْتَقَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ عَنِّي، فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ هُوَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ جَازَتْ الْكِتَابَةُ وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ السَّيِّدُ، فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ كِتَابَتَهُ كَانَ لَهُ وَلَاءُ مُكَاتَبِهِ الَّذِي كَاتَبَ وَإِنْ عَجَزَ كَانَ وَلَاءُ مُكَاتَبِهِ لِسَيِّدِهِ وَهَذَا الْآخَرُ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَا قَبْلَهُ رَأْيِي.
[وَلَاء الْعَبْدِ النَّصْرَانِيِّ يُعْتِقُهُ الْمُسْلِمُ ثُمَّ يَسْبِيهِ الْمُسْلِمُونَ فَيَصِيرُ فِي سُهْمَانِ رَجُلٍ]
فِي وَلَاءِ الْعَبْدِ النَّصْرَانِيِّ يُعْتِقُهُ الْمُسْلِمُ فَيَهْرُبُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ يَسْبِيهِ الْمُسْلِمُونَ فَيَصِيرُ فِي سُهْمَانِ رَجُلٍ فَيُعْتِقُهُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ النَّصْرَانِيَّ إذَا أَعْتَقَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَهَرَبَ النَّصْرَانِيُّ إلَى دَارِ الشِّرْكِ فَسُبِيَ بَعْدَ ذَلِكَ أَيَكُونُ رَقِيقًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ يَكُونُ رَقِيقًا لِأَنَّهُ كُلُّ مَنْ نَصَبَ الْحَرْبَ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ فَيْءٌ.
قُلْتُ: فَإِنْ سُبِيَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَعْتَقَهُ الَّذِي صَارَ فِي سُهْمَانِهِ لِمَنْ يَكُونُ وَلَاؤُهُ أَلِلْأَوَّلِ أَوْ لِلثَّانِي؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَى وَلَاءَهُ لِلثَّانِي.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الشِّرْكِ مُرَاغِمًا لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ كَانَ أَعْتَقَ عَبِيدًا لَهُ نَصَارَى فِي بَلَدِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ لَحَاقِهِ فَلَحِقَ بَعْدَمَا أَعْتَقَهُمْ أَوْ كَانَ تَزَوَّجَ بِنَصْرَانِيَّةٍ حُرَّةٍ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا ثُمَّ أَسْلَمُوا لِمَنْ يَكُونُ وَلَاءُ مَوَالِيهِ أُولَئِكَ وَوَلَاءُ وَلَدِهِ أَيَكُونُ ذَلِكَ لِلْمَوْلَى الثَّانِي أَوْ لِلْمَوْلَى الْأَوَّلِ؟
قَالَ: أَرَاهُ لِلْمَوْلَى الْأَوَّلِ وَلَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى الثَّانِي مِنْ ذَلِكَ الْوَلَاءِ شَيْءٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَلَاءَ قَدْ ثَبَتَ لِمَوْلَاهُ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَ النَّصْرَانِيُّ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا يُنْتَقَضُ ذَلِكَ الْوَلَاءُ بِلُحُوقِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ ثَبَتَ، وَإِنَّمَا يُنْتَقَضُ وَلَاؤُهُ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ قَدْ عَادَ إلَى الرِّقِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ الْوَلَاءُ مِمَّا يَجُرُّهُ إذَا وَقَعَ فِي الرِّقِّ ثَانِيَةً فَأُعْتِقَ لِأَنَّ مَوَالِيَهُ أُولَئِكَ أَعْتَقَهُمْ وَهُوَ حُرٌّ وَوَلَدُهُ أُولَئِكَ وُلِدُوا وَهُوَ حُرٌّ فَثَبَتَ وَلَاؤُهُمْ لِلْمَوْلَى الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا يَجُرُّ الْوَلَاءَ إذَا كَانَ عَبْدًا فَتَزَوَّجَ حُرَّةً فَمَا وَلَدَتْهُ فِي حَالِ الْعُبُودِيَّةِ فَهُوَ يَجُرُّ وَلَاؤُهُمْ إذَا أُعْتِقَ وَإِنْ تَدَاوَلَهُ مَوَالٍ وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ هَذِهِ تَلِدُ مِنْهُ وَهُوَ فِي مِلْكِ أَقْوَامٍ شَتَّى يَتَدَاوَلُونَهُ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ فَأَعْتَقَهُ فَهَذَا يَجُرُّ وَلَاءَ أَوْلَادِهِ كُلِّهِمْ الَّذِينَ وُلِدُوا لَهُ مِنْ هَذِهِ الْحُرَّةِ لِأَنَّهُمْ وُلِدُوا لَهُ وَهُوَ فِي حَالِ الرِّقِّ وَمَا وُلِدَ لَهُ فِي حَالِ الْحُرِّيَّةِ أَوْ أَعْتَقَهُمْ ثُمَّ مَسَّهُ الرِّقُّ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَجُرُّ وَلَاءَهُمْ لِأَنَّ وَلَاءَهُمْ قَدْ ثَبَتَ لِلْمَوْلَى الْأَوَّلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute