يُجْرَحْ فِيهَا شَيْءٌ، وَقَدْ كَانَ الْمَجْرُوحُ لَوْ لَمْ يَفْتَكَّهُ مِنْهُ اخْتَدَمَهُ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ وَعَتَقَ الْمُدَبَّرُ فِي الثُّلُثِ، فَإِنَّهُ يُتْبَعُ الْمُدَبَّرُ فِي ذِمَّتِهِ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ فَلَمْ يَحُلَّ السَّيِّدُ حِينَ افْتَكَّ الْمُدَبَّرَ مَحِلَّ الْمَجْرُوحِ وَلَمْ يَنْزِلْ مَنْزِلَتَهُ، فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ مَا جَرْحَ السَّيِّدُ مِثْلَ مَا جَرْحَ الْأَجْنَبِيُّ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ الْمُدَبَّرَ إذَا جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ وَعَلَى أَجْنَبِيٍّ؟
قَالَ: يَخْتَدِمَانِهِ بِقَدْرِ جِنَايَتِهِمَا. وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: إنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ فَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ، وَإِنْ جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ. فَلَمَّا أَلْزَمَهُ مَالِكٌ الْجِنَايَتَيْنِ أَلْزَمْتُهُ إيَّاهُمَا إذَا اجْتَمَعَتَا عَلَيْهِ.
قُلْتُ فَلِمَ لَا يَلْزَمُ عَبْدِي مَا جَنَى عَلَيَّ؟
قَالَ: لِأَنَّ عَبْدَكَ لَيْسَ فِيهِ عِتْقٌ، وَالْمُدَبَّرُ فِيهِ عِتْقٌ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَهَذِهِ مِثْلُ الْأُولَى.
[الْمُدَبَّرِ وَرَجُلٍ حُرٍّ يَجْنِيَانِ جِنَايَةً خَطَأً]
فِي الْمُدَبَّرِ وَرَجُلٍ حُرٍّ يَجْنِيَانِ جِنَايَةً خَطَأً قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ مُدَبَّرًا وَرَجُلًا حُرًّا قَتَلَا قَتِيلًا خَطَأً؟
قَالَ: يَلْزَمُ الْمُدَبَّرَ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي خِدْمَتِهِ وَنِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّجُلِ الْحُرِّ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ بْنِ ثَابِتٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مَعَ مَشْيَخَةٍ سِوَاهُمْ مِنْ نُظَرَائِهِمْ أَهْلِ فِقْهٍ وَفَضْلٍ، وَرُبَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الشَّيْءِ فَآخُذُ بِقَوْلِ أَكْثَرِهِمْ وَأَفْضَلِهِمْ رَأْيًا، فَكَانَ الَّذِي وَعَيْتُ عَنْهُمْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْمُدَبَّرِ يَجْرَحُ: إنَّهُ يُخَيَّرُ سَيِّدُهُ بَيْنَ أَنْ يُسْلِمَ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ مِنْ الْخِدْمَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْتَكَّهُ بِدِيَةِ الْجُرْحِ. فَإِنْ أَسْلَمَهُ اخْتَدَمَهُ الْمَجْرُوحُ وَقَاصَّهُ بِجِرَاحِهِ فِي خِدْمَتِهِ، فَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ دِيَةَ جُرْحِهِ فِي خِدْمَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ سَيِّدُهُ رَجَعَ إلَى سَيِّدِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَجْرُوحُ دِيَةَ جُرْحِهِ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ، وَكَانَ مَا بَقِيَ مِنْ دِيَةِ الْجُرْحِ دَيْنًا عَلَيْهِ يَتْبَعُهُ بِهِ الْمَجْرُوحُ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى فِي الْمُدَبَّرِ إذَا جَرَحَ، أَنَّ سَيِّدَهُ يُسْلِمُ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ إلَى الْمَجْرُوحِ فَيَخْتَدِمُهُ الْمَجْرُوحُ وَيُقَاصُّهُ بِجِرَاحِهِ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ، فَإِنْ أَدَّى قَبْلَ أَنْ يُتَوَفَّى سَيِّدُهُ وَرَجَعَ إلَى سَيِّدِهِ. أَشْهَبُ عَنْ الْمُنْذِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَامِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا جَرَحَ الْمُدَبَّرُ جُرْحًا أَوْ قَتَلَ خَطَأً أُخِذَ مِنْ سَيِّدِهِ فَآجَرَهُ الَّذِي لَهُ الْعَقْلُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ عَقْلَهُ، فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ وَعَتَقَ وَلَمْ يَسْتَوْفِ صَاحِبُ الْعَقْلِ عَقْلَهُ، كَتَبَ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَقْلِ دَيْنًا، وَإِنْ اسْتَوْفَى صَاحِبُ الْعَقْلِ عَقْلَهُ - وَالسَّيِّدُ حَيٌّ - رَجَعَ الْمُدَبَّرُ إلَى سَيِّدِهِ فَكَانَتْ لَهُ خِدْمَتُهُ حَتَّى يَمُوتَ.
قَالَ الْمُنْذِرُ: قُلْتُ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ: مِنْ أَيْنَ رَأَى هَذَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: رَآهُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ السَّيِّدِ إلَّا مَالُهُ فِيهِ إذْ لَوْ كَانَ عَبْدًا مَا كَانَ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ إلَّا هُوَ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ غَيْرُهَا.