[كِتَابُ الْغَصْبِ]
ِ قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي كَسَرْتُ صَحْفَةً لِرَجُلٍ كَسْرًا فَاسِدًا صَيَّرْتُهَا فِلْقَتَيْنِ، أَوْ كَسَرْتُهُمَا كَسْرًا غَيْرَ فَاسِدٍ، أَوْ كَسَرْتُ لَهُ عَصًا كَسْرًا فَاسِدًا أَوْ غَيْرَ فَاسِدٍ، أَوْ شَقَقْتُ لَهُ ثَوْبًا فَأَفْسَدْتُ الثَّوْبَ، شَقَقْتُهُ بِنِصْفَيْنِ أَوْ شَقَقْتُهُ شَقًّا قَلِيلًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَفْسَدَ لِرَجُلٍ ثَوْبًا، قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الْفَسَادُ يَسِيرًا رَأَيْتُ أَنْ يَرْفُوهُ ثُمَّ يَغْرَمَ مَا نَقَصَهُ بَعْدَ الرَّفْوِ، وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ كَثِيرًا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الثَّوْبَ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ يَوْمَ أَفْسَدَهُ لِرَبِّ الثَّوْبِ. وَكَذَلِكَ الْمَتَاعُ مِثْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ فِي الثَّوْبِ، فَكُلُّ الَّذِي سَأَلْت عَنْهُ هُوَ عِنْدِي عَلَى مِثْلِ هَذَا الْمَحْمَلِ.
قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: لَا أُسَلِّمُ الثَّوْبَ وَقَدْ أَفْسَدَهُ فَسَادًا فَاحِشًا، فَقَالَ لَا أُسَلِّمُهُ وَلَكِنِّي أُتْبِعُهُ بِمَا أَفْسَدَهُ مِنْ ثَوْبِي؟
قَالَ: هُوَ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ، إنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَلِّمَهُ وَيَأْخُذَ قِيمَتَهُ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ احْتَبَسَهُ وَأَخَذَ مَا نَقَصَهُ. وَإِنَّمَا فَرَّقَ مَا بَيْنَهُ إذَا أَفْسَدَهُ فَسَادًا كَثِيرًا وَإِذَا أَفْسَدَهُ فَسَادًا يَسِيرًا، أَنَّ الْيَسِيرَ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ عَلَى صَاحِبِهِ. فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ وَلَمْ يَلْزَمْ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ، وَإِنَّهُ حِينَ أَفْسَدَهُ فَسَادًا كَثِيرًا، فَصَاحِبُهُ يَحْتَجُّ يَقُولُ أَبْطَلَ عَلَيَّ ثَوْبِي فَلِذَلِكَ يُخَيَّرُ.
قَالَ: وَلَقَدْ كَانَ مَالِكٌ - دَهْرَهُ - يَقُولُ لَنَا فِي الْفَسَادِ يَغْرَمُ مَا نَقَصَهُ وَلَا يَقُولُ يَسِيرًا وَلَا كَثِيرًا، ثُمَّ وَقَفَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ هَذَا الْقَوْلَ فِي الْفَسَادِ الْكَثِيرِ. وَهُوَ أَيْضًا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ عَلَى الَّذِي أَفْسَدَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَطْرَحُ عَنْهُ بِقَدْرِ الَّذِي بَقِيَ فِي يَدَيْ صَاحِبِ الثَّوْبِ، وَهُوَ قِيمَتُهُ الَّتِي كَانَ يَغْرَمُ. وَلَيْسَ هَذَا بَيْعًا مِنْ الْبُيُوعِ يُخَيَّرُ فِيهِ، إنَّمَا هَذِهِ جِنَايَاتٌ، فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي يُخَيَّرُ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ.
[فِيمَنْ اغْتَصَبَ جَارِيَةً فَزَادَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ قَتَلَهَا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا غَصَبَ جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ وَقِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَزَادَتْ عِنْدَهُ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ، ثُمَّ بَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ أَوْ وَهَبَهَا أَوْ قَتَلَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute