مُقَاطَعَةَ الْمُكَاتَبِ بِمَا قَاطَعَ بِهِ مِنْ عَرَضٍ أَوْ فَرْضٍ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ لَهُمْ مَالٌ، أَصْلُ رَقَبَتِهِ وَرَأْسُ مَالِهِ كُلِّهِ وَكُلُّ مَا جَرَّ كَسْبُهُ وَعَمَلُهُ، وَأَنَّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ رِضًا مِنْهُمْ بِمَا رَضُوا بِهِ مِنْهَا مِنْ أَصْلِ مَا كَانَ لَهُمْ رَقَبَةُ الْعَبْدِ وَمَالُهُ، وَمَا أُحْدِثَ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي اكْتَسَبَ فَرَأَوْا أَنَّ الْمُقَاطَعَةَ مَعْرُوفٌ يَفْعَلُونَهُ مَعَ مَعْرُوفِ الْكِتَابَةِ قَدْ أَتَوْهُ مِنْ أَصْلِ مَالٍ هُوَ لَهُمْ كُلُّهُ.
ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: فِي مُقَاطَعَةِ الْمُكَاتَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ قَدْ كَانَ النَّاسُ يُقَاطِعُونَ، قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ ثُمَّ يُقَاطِعُهُ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، فَيَضَعُ عَنْهُ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَهُ مَا قَاطَعَهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مَنْ كَرِهَهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْزَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ يَكُونُ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ فَيَضَعَ عَنْهُ وَيَنْقُدُهُ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ الدَّيْنِ إنَّمَا كَانَتْ قِطَاعَةُ الْمُكَاتَبِ سَيِّدَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ مَالًا فِي أَنْ يُعَجِّلَ الْعِتْقَ لَهُ، فَيَجِبُ لَهُ الْمِيرَاثُ وَالشَّهَادَةُ وَالْحَدُّ وَتَثْبُتُ لَهُ حُرْمَةُ الْعَتَاقَةِ، وَلَمْ يَشْتَرِ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ وَلَا دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ وَلَا ذَهَبًا بِذَهَبٍ، وَإِنَّمَا هَذَا مِثْلُ رَجُلٍ قَالَ لِغُلَامِهِ: ائْتِنِي بِكَذَا وَكَذَا وَأَنْتَ حُرٌّ، فَوَضَعَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ: إنْ جِئْتَنِي بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَلَيْسَ هَذَا دَيْنًا ثَابِتًا إذْ لَوْ كَانَ دَيْنًا ثَابِتًا لَحَاصَّ بِهِ السَّيِّدُ غُرَمَاءَ الْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ فَدَخَلَ مَعَهُمْ فِي مَالِ مُكَاتَبِهِ.
[الْمُكَاتَبِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يُقَاطِعُهُ أَحَدُهُمَا]
فِي الْمُكَاتَبِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يُقَاطِعُهُ أَحَدُهُمَا قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ الشَّرِيكَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُقَاطِعَهُ عَلَى حِصَّتِهِ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ وَمَالَهُ بَيْنَهُمَا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا دُونَ شَرِيكِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَمَنْ قَاطَعَ مُكَاتَبًا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، فَإِنْ أَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَهُ أَنْ يَرُدَّ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ مِنْ الْمُقَاطَعَةِ وَيَكُونُ عَلَى نَصِيبِهِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ، فَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا اسْتَوْفَى الَّذِينَ بَقِيَتْ لَهُمْ الْكِتَابَةُ حُقُوقَهُمْ مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ كَانَ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ بَيْنَ الَّذِي قَاطَعَهُ وَبَيْنَ شُرَكَائِهِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ فِي الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ أَحَدُهُمَا قَاطَعَهُ وَتَمَسَّكَ صَاحِبُهُ بِالْكِتَابَةِ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قِيلَ لِلَّذِي قَاطَعَهُ: إنْ شِئْتَ أَنْ تَرُدَّ عَلَى صَاحِبِكَ نِصْفَ الَّذِي أَخَذْتَ وَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَكُمَا شَطْرَيْنِ، وَإِنْ أَبَيْتَ فَجَمِيعُ الْعَبْدِ لِلَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ خَالِصًا.
[قِطَاعَةُ الْمُكَاتَبِ بِالْعَرْضِ]
ِ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يُقَاطِعَ الرَّجُلُ مُكَاتَبَهُ بِعَرَضٍ مُخَالِفٍ لِكِتَابَتِهِ وَيُؤَخِّرَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute