لَا يَضْمَنُ - فِي قَوْلِ مَالِكٍ - وَإِنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ أَمْرًا مُخَالِفًا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الدَّابَّةِ، فَهَذَا الَّذِي يَضْمَنُ إنْ عَطِبَتْ.
قُلْتُ: فَإِنْ اسْتَعَرْت دَابَّةً لِأَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً، فَرَكِبْتُهَا أَنَا وَلَمْ أَحْمِلْ عَلَيْهَا فَعَطِبَتْ، أَأَضْمَنُهَا أَمْ لَا؟ قَالَ: يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ رُكُوبُكَ أَضَرَّ بِالدَّابَّةِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَأَثْقَلُ ضَمِنْتُهَا، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْك.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَعَرْت مِنْ رَجُلٍ دَابَّةً لِأَرْكَبهَا إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ، فَرَكِبْتُهَا وَحَمَلْت خَلْفِي، رَدِيفًا فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ مَا عَلَيَّ؟ قَالَ: رَبُّهَا مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْك كِرَاءَ الرَّدِيفِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْك غَيْرَ ذَلِكَ وَفِي أَنْ يُضَمِّنَك قِيمَتَهَا يَوْمَ حَمَلْتَ عَلَيْهَا رَدِيفًا.
قُلْتُ: أَجَمِيعُ قِيمَتِهَا أَوْ نِصْفُ قِيمَتِهَا؟
قَالَ: جَمِيعُ قِيمَتِهَا.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَكَارَى بَعِيرًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ وَزْنًا مُسَمًّى، فَتَعَدَّى فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا شَرَطَ فِي الْوَزْنِ، فَعَطِبَ الْبَعِيرُ فَهَلَكَ أَوْ أَدْبَرَهُ أَوْ أَعْنَتَهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي زَادَ عَلَيْهِ الرِّطْلَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَعْطَبُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ، كَانَ لَهُ كِرَاءُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ إنْ أَحَبَّ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُتَكَارِي فِي الْبَعِيرِ إنْ عَطِبَ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ فِي مِثْلِ مَا زَادَ عَلَيْهِ مَا يَعْطَبُ فِي مِثْلِهِ كَانَ صَاحِبُ الْبَعِيرِ مُخَيَّرًا، فَإِنْ أَحَبَّ كَانَ لَهُ قِيمَةُ بَعِيرِهِ يَوْمَ تَعَدَّى عَلَيْهِ، وَإِنْ أَحَبَّ كَانَ لَهُ كِرَاءُ مَا زَادَ عَلَى بَعِيرٍ مَعَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْقِيمَةِ، فَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْعَارِيَّةِ.
[فِيمَنْ اسْتَعَارَ ثَوْبًا أَوْ عَرَضًا فَضَاعَ يَضْمَنُهُ أَمْ لَا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَعَرْت ثَوْبًا مِنْ رَجُلٍ فَضَاعَ عِنْدِي، أَأَضْمَنُهُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ ضَامِنٌ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ الْعُرُوض كُلُّهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي مَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا مَنْ الْعُرُوضِ فَكَسَرَهُ أَوْ خَرَقَهُ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ سُرِقَ مِنْهُ أَوْ احْتَرَقَ.
قَالَ مَالِكٌ: فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ. قَالَ: وَإِنْ أَصَابَهُ أَمْرٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ بِقُدْرَتِهِ، وَتَقُومُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَيَّعَ أَوْ فَرَّطَ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إذَا جَاءَ التَّفْرِيطُ أَوْ الضَّيْعَةُ مِنْ قِبَلِهِ. كَذَلِكَ وَجَدْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي مَسَائِلِ عَبْدِ الرَّحِيمِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَا تَلِفَ مِنْ عَارِيَّةِ الْحَيَوَانِ عِنْدَ مَنْ اسْتَعَارَهَا: إنَّ الْأَمْرَ. عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي اسْتَعَارَهَا فِيمَا أَصَابَهَا عِنْدَهُ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى أَمْرَ صَاحِبِهَا، أَوْ يُخَالِفَ إلَى غَيْرِ مَا أَعَارَهُ إيَّاهَا عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَالَ مَالِكٌ لِي: وَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً إلَى مَكَان مُسَمًّى فَتَعَدَّى ذَلِكَ فَتَلِفَتْ الدَّابَّةُ. قَالَ: أَرَى صَاحِبَهَا مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ تَعَدَّى بِهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ كِرَاؤُهَا فِي ذَلِكَ التَّعَدِّي.
قُلْتُ: فَإِنْ اسْتَعَارَ ثَوْبًا فَتَخَرَّقَ، أَيَضْمَنُ؟
قَالَ: هَذَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْعُرُوضِ إذَا تَخَرَّقَتْ أَوْ أَصَابَهَا حَرْقٌ أَوْ سُرِقَتْ. قَالَ: قَدْ أَمْلَيْتُ عَلَيْك قَوْلَ مَالِكٍ إمْلَاءً: إنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا نَقَصَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَسَادًا كَثِيرًا فَيَضْمَنُهُ كُلَّهُ، وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ ذَلِكَ