ضَرَرٌ يَخَافُ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ أَرَ أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ مِنْهُمْ إلَّا بِثَمَنٍ. قَالَ: وَكُلُّ بِئْرٍ كَانَتْ مِنْ آبَارِ الصَّدَقَةِ، مِثْلَ بِئْرِ الْمَوَاشِي وَالشَّفَةِ، فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَرْوِي أَهْلُهَا. وَإِنْ مَنَعَهُمْ أَهْلُ الْمَاءِ بَعْدَ رِيِّهِمْ فَقَاتَلُوهُمْ لَمْ أَرَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ حَرَجًا، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُمْنَعُ نَفْعُ بِئْرٍ وَلَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ.» قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ مَنَعُوهُمْ الْمَاءَ حَتَّى مَاتَ الْمُسَافِرُونَ عَطَشًا - وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُسَافِرِينَ قُوَّةٌ عَلَى مُدَافَعَتِهِمْ - كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ أَهْلِ الْمَاءِ دِيَاتُهُمْ، وَالْكَفَّارَةُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنْهُمْ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ، وَالْأَدَبُ الْمُوجِعُ مِنْ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ لَهُمْ.
[فَضْلِ آبَارِ الْمَاشِيَةِ وَفِي مَنْعِ الْكَلَأِ]
فِي فَضْلِ آبَارٍ الْمَاشِيَةِ وَفِي مَنْعِ الْكَلَأِ قُلْت: أَرَأَيْت الْحَدِيثَ الَّذِي جَاءَ: «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّاسُ فِيهِ شُرَكَاءُ.» هَلْ كَانَ يَعْرِفُهُ مَالِكٌ أَوْ كَانَ يَأْخُذُ بِهِ؟
قَالَ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الْأَرْضِ إذَا كَانَتْ لِلرَّجُلِ: فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمْنَعَ كَلَأَهَا إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلْيُخَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ. قُلْت: أَرَأَيْت الْحَدِيثَ الَّذِي جَاءَ: «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ» . قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَحْسَبُهُ إلَّا فِي الصَّحَارِيِ وَالْبَرَارِيِ وَأَمَّا فِي الْقُرَى وَالْأَرْضِينَ الَّتِي قَدْ عَرَفَهَا أَهْلُهَا وَاقْتَسَمُوهَا وَعَرَفَ كُلُّ إنْسَانٍ حَقَّهُ، فَلِهَذَا أَنْ يَمْنَعَ كَلَأَهَا عِنْدَ مَالِكٍ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ.
[فَضْلِ آبَارِ الزَّرْعِ]
فِي فَضْلِ آبَارِ الزَّرْعِ قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ بِئْرًا لِي أَسْقِي مِنْهَا أَرْضِي، وَفِي مَائِي فَضْلٌ عَنْ أَرْضِي، وَإِلَى جَانِبِي أَرْضٌ لِرَجُلٍ لَيْسَ لَهَا مَاءٌ، وَأَرَادَ أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ بِفَضْلِ مَاءٌ فَمَنَعْته؟ قَالَ: لَيْسَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَ مَاءَكَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْك اشْتِرَاءً إلَّا أَنْ يَكُونَ لَك جَارٌ وَقَدْ زَرَعَ زَرْعًا عَلَى بِئْرٍ لَهُ، فَانْهَارَتْ بِئْرُهُ فَخَافَ عَلَى زَرْعِهِ الْهَلَاكَ قَبْلَ أَنْ يُحْيِيَ بِئْرَهُ، فَهَذَا الَّذِي يُقْضَى لَهُ عَلَيْك بِأَنْ يَشْرَبَ فَضْلَ مَائِك إنْ كَانَ فِي مَائِك فَضْلٌ، وَإِلَّا فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. قُلْت: أَفَيُقْضَى عَلَيْهِ بِثَمَنٍ أَوْ بِغَيْرِ ثَمَنٍ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَقْضِي عَلَيْهِ، وَذَلِكَ عِنْدِي بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَغَيْرُهُ يَقُولُ بِثَمَنٍ. قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْنَاهُ عَنْ مَاءِ الْأَعْرَابِ، يَرِدُ عَلَيْهِمْ أَهْل الْمَوَاشِي يَسْتَقُونَ فَيَمْنَعُهُمْ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَاءِ؟
قَالَ مَالِكٌ: أَهْلُ ذَلِكَ الْمَاءِ أَحَقُّ بِمَائِهِمْ حَتَّى يَرْوُوا، فَإِنْ كَانَ فَضْلًا سَقَى هَؤُلَاءِ بِمَا فَضَلَ عَنْهُمْ. قَالَ مَالِكٌ: أَمَا سَمِعَتْ الْحَدِيثَ: «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ مَاءٍ» فَإِنَّمَا هُوَ مَا يَفْضُلُ عَنْهُمْ وَلَوْ كَانَ النَّاسُ يُشَارِكُونَهُمْ مَا انْتَفَعُوا بِمَائِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute