للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا قَسَّمْتُ الْمَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْأَبَدَانِ، وَجَعَلْتُ الْأَبْدَانَ رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ. لِأَنَّ مَا أَخْرَجُوا مِنْ الْمَتَاعِ لَهُ أُجْرَةٌ، وَقَدْ تَكَافَئُوا فِي عَمَلِهِمْ بِأَيْدِيهِمْ. فَإِذَا كَانَ إجَارَةُ مَا أَخْرَجُوا مِنْ الْمَتَاعِ مُعْتَدِلًا، فَقَدْ أَكْرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَتَاعَهُ بِمَتَاعِ صَاحِبِهِ، وَكَانَتْ الشَّرِكَةُ صَحِيحَةً.

أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ أَرَادُوا أَنْ يَشْتَرِكُوا - وَالْمَتَاعُ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمْ - فَاكْتَرَوْا مِنْهُ ثُلُثَيْ مَا فِي يَدَيْهِ، لَجَازَتْ شَرِكَتُهُمْ إذَا اعْتَدَلَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بَيْنَهُمْ؟ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ عَلَى حِدَةٍ، وَكِرَاؤُهُمْ مُعْتَدِلًا، أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَأَنَّهُ أَكْرَى مَتَاعَهُ بِمَتَاعِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا أَعْطَى مَنْ لَهُ فَضْلٌ مَا بَقِيَ مِنْ فَضْلِهِ، وَلَمْ تَكُنْ الدَّوَابُّ رُءُوسَ أَمْوَالٍ مِثْلُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إذَا اخْتَلَفَتْ، بِأَنْ يُخْرِجَ هَذَا مِائَتَيْنِ وَهَذَا مِائَةً وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا شَطْرَيْنِ وَالْوَضِيعَةُ كَذَلِكَ، فَيَكُونُ الرِّبْحُ لِرَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَاجِرَ وَالرِّجَالُ يُؤَاجِرُونَ، فَيُقَسِّمُ الْفَضْلَ عَلَى الْمَالِ وَيُعْطِي الرِّجَالَ الَّذِينَ تَجُوزُ إجَارَتُهُمْ عَمَلَ مِثْلِهِمْ، فِيمَا أَعَانُوا مَنْ لَهُ الْفَضْلُ فِي رَأْسِ مَالِهِ، كَانَ فِي ذَلِكَ رِبْحٌ أَوْ وَضِيعَةٌ. أَوْ لَا تَرَى لَوْ أَنَّ صَاحِبَ الْمِائَتَيْنِ، شَرَطَ عَلَى صَاحِبِ الْمِائَةِ الْعَمَلَ لَكَانَ فَاسِدًا.

فَإِنْ وَقَعَ فَضْلٌ أَوْ كَانَتْ وَضِيعَةٌ، فَعَلَى الْمَالِ وَلِلْمَالِ، لِأَنَّهُ لَا يُؤَاجِرُ وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ. وَأَعْطَى الْعَامِلَ أُجْرَةَ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ فِي صَاحِبِ الْمِائَتَيْنِ؟ أَوْ لَا تَرَى أَنَّ الَّذِينَ اشْتَرَكُوا بِأَيْدِيهِمْ وَأَخْرَجُوا الرَّحَا وَالْبَيْتَ وَالْبَغْلَ، لَمَّا شَرَطُوا الْعَمَلَ عَلَى رَبِّ الْبَغْلِ، كَانَ الرِّبْحُ لَهُ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَجْرُ الرَّحَا وَالْبَيْتِ، لِأَنَّ لَهُمْ أَجْرَهُ وَصَارَ عَمَلُهُ كَأَنَّهُ رَأْسُ الْمَالِ؟ وَهَذَا مَذْهَبُ أَصْلِ قَوْلِ مَالِكٍ

[فِي الصَّانِعَيْنِ الْمُشْتَرِكَيْنِ بِعَمَلِ أَيْدِيهِمَا يَمْرَضُ أَحَدُهُمَا أَوْ يَغِيبُ]

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَصَّارَيْنِ أَوْ حَدَّادَيْنِ أَوْ أَهْلَ الصِّنَاعَاتِ كُلَّهُمْ اشْتَرَكَا، أَهْلُ نَوْعٍ، عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا، فَمَرِضَ أَحَدُهُمَا وَعَمِلَ الْآخَرُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا اشْتَرَكَا وَكَانَا فِي حَانُوتٍ، فَمَرِضَ أَحَدُهُمَا وَعَمِلَ الْآخَرُ، وَالْعَمَلُ بَيْنَهُمَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ إنْ غَابَ أَحَدُهُمَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَعَمِلَ الْآخَرُ، فَالْعَمَلُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جَائِزٌ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَكِنْ إنْ مَرِضَ فَتَطَاوَلَ بِهِ مَرَضُهُ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ، وَغَابَ فَتَطَاوَلَ ذَلِكَ، فَهَذَا يَتَفَاحَشُ. فَإِنْ عَمِلَ الْحَاضِرُ وَالصَّحِيحُ، فَأُحِبُّ أَنْ يَجْعَلَ نِصْفَ الْعَمَلِ لِشَرِيكِهِ الْغَائِبِ أَوْ الْمَرِيضِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، كَانَ بَيْنَهُمَا فِي أَصْلِ الشَّرِكَةِ أَنَّهُ: مَنْ مَرِضَ مِنَّا الْمَرَضَ الطَّوِيلَ، أَوْ غَابَ مِثْلَ الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ، فَمَا عَمِلَ الْآخَرُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الشَّرْطُ، وَأَرَادَ الْعَامِلُ أَنْ يُعْطِيَ الْمَرِيضَ أَوْ الْغَائِبَ نِصْفَ مَا عَمِلَ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ بَيْنَهُمَا فَالشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ. قُلْتُ: تَحْفَظُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَرَضِ الطَّوِيلِ وَالْغَيْبَةِ الطَّوِيلَةِ؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: يَتَعَاوَنُ الشَّرِيكَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>