[كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ]
ِ قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْخَصْمَيْنِ إذَا أَتَيَا إلَى الْقَاضِي، فَتَبَيَّنَ لِلْقَاضِي الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا، فَأَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الَّذِي اتَّضَحَ الْحَقُّ عَلَيْهِ؟ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا وَهُوَ يَقُولُ مِنْ وَجْهِ الْحُكْمِ فِي الْقَضَاءِ، إذَا أَدْلَى الْخَصْمَانِ بِحُجَّتِهِمَا، وَفَهِمَ الْقَاضِي عَنْهُمَا، فَأَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، أَنْ يَقُولَ لَهُمَا: أَبَقِيَتْ لَكُمَا حُجَّةٌ؟ فَإِنْ قَالَا: لَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا وَأَوْقَعَ الْحُكْمَ، فَإِنْ أَتَيَا بَعْدَ ذَلِكَ يُرِيدَانِ نَقْضَ ذَلِكَ لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُمَا، إلَّا أَنْ يَأْتِيَا بِأَمْرٍ يَرَى أَنَّ لِذَلِكَ وَجْهًا. قُلْتُ: مَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ يَرَى لِذَلِكَ وَجْهًا؟ قَالَ: مَعْنَاهُ، أَنَّهُ إذَا أَتَى بِشَاهِدٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ، وَقَالَ الْخَصْمُ لَا أَعْلَمُ لِي شَاهِدًا آخَرَ، فَوَجَّهَ الْقَاضِي عَلَيْهِ الْحُكْمَ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى شَاهِدٍ آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، أَنَّهُ يَقْضِي بِهَذَا الْآخَرِ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا قَالَ مَالِكٌ يُعْرَفُ بِهِ وَجْهُ حُجَّتِهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا هَلَكَ الرَّجُلُ فِي السَّفَرِ، وَلَيْسَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَحَدٌ، أَتَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْكُفْرِ الَّذِينَ مَعَهُ إنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ مَالِكٌ يُجِيزُ شَهَادَةَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ، فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ، وَلَا أَرَى أَنْ تَجُوزَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ سَمِعَ رَجُلٌ رَجُلًا يَقُولُ: لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا، أَوْ يَقُولُ: فُلَانٌ قَتَلَ فُلَانًا، أَوْ يَقُولُ: سَمِعْته قَذَفَ فُلَانًا أَوْ يَقُولُ: سَمِعْت فُلَانًا طَلَّقَ فُلَانَةَ وَلَمْ يَشْهَدْهُ، إلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِهِ فَسَمِعَهُ وَهُوَ يَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، أَيَشْهَدُ بِهَا وَإِنَّمَا مَرَّ فَسَمِعَهُ يَتَكَلَّمُ بِهَا وَلَمْ يَشْهَدْهُ؟ قَالَ: لَا يَشْهَدُ بِهَا، وَلَكِنْ إنْ مَرَّ فَسَمِعَ رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا، وَسَمِعَ رَجُلًا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُشْهِدَاهُ، قَالَ مَالِكٌ: فَهَذَا الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدَاهُ. قَالَ: فَيَأْتِي مَنْ لَهُ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُ، فَيُعْلِمُهُ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ شَهَادَةً. قَالَ: وَسَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ هَذَا فِي الْحُدُودِ، أَنَّهُ يَشْهَدُ بِمَا سَمِعَ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ، قَالَ: فَأَمَّا قَوْلُكَ الْأَوَّلُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ مَالِكًا وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَمُرُّ بِالرَّجُلَيْنِ وَهُمَا يَتَكَلَّمَانِ فِي الشَّيْءِ وَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute