كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَحَقَّ بِمَا تَحْتَهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَمِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ مَضْمُونًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَدَّمَ لَهُ بَعِيرًا فَرَكِبَهُ فَكَانَ كِرَاؤُهُ وَقَعَ فِي هَذَا الْبَعِيرِ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ لِلْجَمَّالِ أَنْ يَنْزِعَهُ إلَّا بِرِضَا الْمُكْتَرِي فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْكِرَاءَ الْمَضْمُونَ وَاَلَّذِي فِي الرَّاحِلَةِ بِعَيْنِهَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُكْتَرِي وَرَبُّ الْإِبِلِ فِي الْكِرَاءِ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِمَا سَوَاءً بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ الرَّاحِلَةُ بِعَيْنِهَا مِثْلَ الْمَضْمُونِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ كِتَابًا مِنْ مِصْرَ يُبَلِّغُهُ إلَى إفْرِيقِيَّةَ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا فَلَقِيَنِي بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لِي: ادْفَعْ إلَيَّ الْكِرَاءَ فَقَدْ بَلَّغْتُ لَكَ الْكِتَابَ فَقُلْتُ لَهُ: كَذَبْتَ لَمْ تُبَلِّغْهُ أَيَكُونُ لَهُ الْكِرَاءُ أَمْ لَا؟ قَالَ مَالِكٌ: قَدْ ائْتَمَنْتَهُ عَلَى أَدَاءِ الْكِتَابِ، فَإِذَا قَالَ: قَدْ أَدَّيْتُهُ فِي مِثْلِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَيَرْجِعُ فَلَهُ كِرَاؤُهُ.
قُلْتُ: وَكَذَا الْحُمُولَةُ وَالطَّعَامُ وَالْبَزُّ وَغَيْرُ ذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: عَلَى الْمُكْرِي الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَدْ وَفَّاهُ حَقَّهُ وَبَلَّغَهُ إلَى غَايَتِهِ.
[نَقْدِ الْكِرَاءِ وَالْقَضَاءِ فِيهِ]
مَا جَاءَ فِي نَقْدِ الْكِرَاءِ وَالْقَضَاءِ فِيهِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْت إبِلًا إلَى مَكَّةَ أَوْ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ فَطَلَبَ الْكِرَاءَ مِنِّي الْمُكْرِي قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَ لِي شَيْئًا أَوْ طَلَبَ الْكِرَاءَ مِنِّي بَعْد مَا مَشَى يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَقُلْتُ: لَا أَدْفَعُ إلَيْك حَتَّى أَبْلُغَ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَكْرَيْتُ إلَيْهِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ مَعْرُوفٌ وَسُنَّةٌ فِي كِرَائِهِمْ وَنَقْدٌ يَتَنَاقَدُونَهُ بَيْنَهُمْ إذَا اكْتَرَوْا حَمَلُوا عَلَى عَمَلِ النَّاسِ، وَإِنَّ كِرَاءُ النَّاسِ عِنْدَهُمْ إنَّمَا نَقْدُهُمْ فِيهِ بَعْد مَا يَسْتَوْفِي الْمُكْتَرِي كِرَاءَهُ حَمَلُوا عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ كِرَاءُ النَّاسِ عِنْدَهُمْ يُعَجِّلُونَ جَمِيعَهُ إذَا اكْتَرَوْا عَجَّلَ الْمُكْتَرِي كِرَاءَهُ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ كَيْفَ يَصْنَعُونَ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي كِرَاءِ الدُّورِ: إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ وَلَا سُنَّةٌ لَمْ يُعْطِهِ إلَّا بِقَدْرِ مَا سَكَنَ، فَإِنْ كَانَ هَذَا لَيْسَ عِنْدَهُمْ كِرَاءٌ لِلنَّاسِ مَعْرُوفٌ رَأَيْتُهُ بِمَنْزِلَةِ الدُّورِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْتُ مِنْ رَجُلٍ إلَى إفْرِيقِيَّةَ فَلَمَّا اكْتَرَيْتُ مِنْهُ عَجَّلْتُ لَهُ الْكِرَاءَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فِيمَا عَجَّلْتُ لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ؟
قَالَ: لَيْسَ لَكَ أَنْ تَرْجِعَ فِيمَا عَجَّلْتُ لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute