[دِيَةِ الْكَفِّ]
مَا جَاءَ فِي دِيَةِ الْكَفِّ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْكَفَّ إذَا ذَهَبَ مِنْهَا أُصْبُعَانِ - ذَهَبَتَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أَوْ قَطَعَهُمَا رَجُلٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً - فَاقْتُصَّ مِنْهُ أَوْ أَخَذَ لِذَلِكَ عَقْلًا، ثُمَّ قَطَعَ رَجُلٌ كَفَّهُ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثَةِ عَمْدًا، أَيُقْتَصُّ لَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْأُصْبُعِ الْوَاحِدَةِ إذَا قُطِعَتْ مِنْ الْكَفِّ، ثُمَّ قَطَعَ بَعْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ كَفَّهُ هَذِهِ الْمَقْطُوعَةَ الْأُصْبُعِ عَمْدًا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ أَرَى لَهُ الْقِصَاصَ وَأَرَى أَنْ تُقْطَعَ يَدُ قَاطِعِهِ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: الْإِبْهَامَ كَانَتْ الْمَقْطُوعَةُ أَوْ غَيْرَهَا؟
قَالَ: مَا وَقَفْتُ مَالِكًا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ عِنْدِي سَوَاءٌ. قَالَ: وَأَمَّا الْأُصْبُعَانِ وَالثَّلَاثَةُ فَقَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي سَمِعْتُ وَبَلَغَنِي عَنْهُ فِي الْأُصْبُعَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ، أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ لَهُ مِنْ قَاطِعِهِ، وَلَكِنْ يَكُونُ لَهُ الْعَقْلُ عَلَى قَاطِعِهِ فِي مَالِهِ.
قُلْتُ: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَطَعَ كَفَّ رَجُلٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا أُصْبُعٌ أَوْ أُصْبُعَانِ خَطَأً، مَا عَلَى الْقَاطِعِ مِنْ الْعَقْلِ؟ أَخُمْسَا الدِّيَةِ أَمْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَمْ أَقَلُّ؟ فَإِنْ كَانَتْ أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ فَكَمْ عَقْلُهَا؟ أَخُمْسُ الدِّيَةِ أَمْ أَكْثَرُ أَمْ أَقَلُّ؟
قَالَ: إذَا قُطِعَ مِنْ الْأَصَابِعِ شَيْءٌ فَإِنَّمَا لَهُ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَصَابِعِ فِي الْكَفِّ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَإِنِّي لِأَسْتَحْسِن أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْكَفِّ الْحُكُومَةُ، وَفِي الْأُصْبُعِ الدِّيَةُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَطَعَ رَجُلٌ يَمِينَ رَجُلٍ وَلَا يَمِينَ لِلْقَاطِعِ، أَيَكُونُ فِيهِ الْعَقْلُ مُغَلَّظًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: فِيهِ الْعَقْلُ غَيْرَ مُغَلَّظٍ مِثْلُ عَقْلِ دِيَةِ الْعَمْدِ إذَا قُبِلَتْ فِي الْإِنْسَانِ مَعَ الْأَدَبِ، وَالْعَقْلُ فِي مَالِهِ لَيْسَ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَأْمُومَةَ وَالْجَائِفَةَ إذَا كَانَتَا عَمْدًا، أَهُمَا فِي مَالِ الْجَانِي أَمْ عَلَى الْعَاقِلَةِ؟
قَالَ: كَانَ مَالِكٌ - مَرَّةً - يَقُولُ: هِيَ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ. ثُمَّ رَجَعَ فَرَأَى أَنَّهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ - وَهُوَ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَلَّمْتُهُ فِيهِ غَيْرَ مَرَّةٍ فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا أَخْبَرْتُكَ، وَثَبَتَ مَالِكٌ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ رَأْيِي أَنَّهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ.
قُلْتُ: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يَقْطَعُ يَمِينَ الرَّجُلِ عَمْدًا وَلَا يَمِينَ لِلْقَاطِعِ وَلَا مَالَ، أَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلَكِنْ يَكُونُ فِي مَالِ الْقَاطِعِ يُتْبَعُ بِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ.
قُلْتُ: فَمَا فَرْقُ بَيْنَ الْيَدِ وَالْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ: إنَّهُمَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ كَانَ لِلْجَانِي مَالٌ؟ وَقَدْ قَالَ فِي الْيَدِ: إنَّ الْقَاطِعَ إذَا قَطَعَ يَمِينَ الرَّجُلِ وَلَا يَمِينَ لَهُ، إنَّ ذَلِكَ فِي مَالِ الْقَاطِعِ - كَانَ الْقَاطِعُ غَنِيًّا أَوْ عَدِيمًا -؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ شَيْءٍ يَجْنِيهِ الْإِنْسَانُ عَلَى عَمْدٍ فَلَا يَكُونُ فِيهِ الْقِصَاصُ، وَفِي جَسَدِ الْجَانِي مِثْلُ الَّذِي جَنَى عَلَيْهِ. فَلَا يَكُونُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ، فَعَقْلُ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَعَلَى هَذَا الْجَانِي الْأَدَبُ. وَتَفْسِيرُ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي مِثْلِ الْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ وَمَا لَا يُسْتَطَاعُ مِنْهُ الْقَوَدُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا بَلَغَ مِنْ الْحُكْمِ